للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَثًا١: وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ، أَوْ يَصِحَّ٢ الْعَمَلُ بِلَا نِيَّةٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

- وَمِنْهَا أَنَّ الْأَعْمَالَ ضَرْبَانِ: عَادَاتٌ، وَعِبَادَاتٌ، فَأَمَّا الْعَادَاتُ؛ فَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ فِي الِامْتِثَالِ بِهَا إِلَى نِيَّةٍ، بَلْ مُجَرَّدُ وُقُوعِهَا كَافٍ؛ كَرَدِّ الْوَدَائِعِ والغصوب٣، وَالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِهَا؛ فَكَيْفَ يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ؟ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ؛ فَلَيْسَتِ النِّيَّةُ بِمَشْرُوطَةٍ فِيهَا بِإِطْلَاقٍ أَيْضًا، بَلْ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا؛ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ٤ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ


١ أي أن الإكراه إما أن يتسلسل، وإما أن يقف عند حد دون أن يحصل غرض الشارع من الفعل امتثالا؛ فيكون الإكراه الذي حصل عبئا لم يفد مقصود الشارع، والعبث من الشارع محال؛ كما أن التسلسل في ذاته محال؛ فلم يبق إلا أن يكون العمل صحيحا مؤديا غرض الشارع بدون النية؛ فلا يتم الأصل المدعى. "د".
٢ في الأصل: "فيصح".
٣ في "د": "والمغضوب".
٤ هم: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، ومالك في رواية، وكذلك الغسل، وزاد الأوزاعي والحسن: التيمم، قاله العيني في "عمدة القاري" "١/ ٣٦"، واختلف على الأوزاعي فيه اختلافا شديدا، انظره عند ابن المنذر في "الأوسط" "١/ ٣٧٠".
انظر في المسألة: "المبسوط" "١/ ٧٢"، و"أحكام القرآن" "٣/ ٢٣"، و"معالم التنزيل" "٢/ ٢١٨ - ط دار الفكر"، وانظر في الرد على من لم يشترط النية للوضوء والغسل: "الطهور" "ص٢٠١ – ٢٠٧ بتحقيقي" لأبي عبيد، و"الخلافيات" "١/ مسألة رقم ٧ – بتحقيقي" للبيهقي، و"المحلى" ""١/ ٧٣"، و"المجموع" "١/ ٣١٢"، و"المغني" "١/ ٩١"، و"الأوسط" "١/ ٣٦٩ وما بعدها"، و"بدائع الفوائد" "٣/ ١٨٦-١٩٣"، و"إعلام الموقعين" "١/ ٢٧٤-٢٧٥، ٢.٢٩٣/ ٢٨٧-٣.٢٨٨/ ١٢٢-١٢٤"، و"تهذيب السنن" "١/ ٤٨".
بقي بعد هذا تحرير مذهب مالك، نقل القرطبي في "تفسيره" "٥/ ٢١٣ و١٥/ ٢٣٣" عن الوليد بن مسلم عن مالك أنه كان لا يشترط النية في الوضوء، وحكى هذه الرواية عنه العيني في "العمدة" "١/ ٣٦"، والباجي في "المنتقى" "١/ ٥٢"، وابن العربي في "الأحكام" "٢/ ٥٥٩"، وأفاد ابن المنذر في "الأوسط" "١/ ٣٧٠" أن الوليد حكاه عن مالك والثوري، وعقب عليه بقوله:: أما حكايته عن الثوري، فكما حكى لموافقته حكاية الأشجعي والعدني وعبد الرزاق والفريابيي عنه، وأما ما حكاه عن مالك؛ فما رواه أصحاب مالك عنه: وابن وهب وابن القاسم [في "المدونة" "١/ ٣٢"] أصح، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>