للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُحَالٌ.

وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى إِيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ هُوَ كَلَامُ السَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ بِاتِّفَاقٍ، وَالْأَمْرُ فِي هَذَا أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا:

أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ مَقْصُودًا إِلَى إِيقَاعِهِ؛ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، فَإِنَّ جَوَازَهُ يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْقَصْدِ إِلَى إِيقَاعِهِ، وَالْقَصْدُ إِلَى إِيقَاعِ مَا لَا يُمْكِنُ١ إِيقَاعُهُ عَبَثٌ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ٢ إِلَى الْأَمْرِ بِمَا لَا يُطَاقُ عَبَثًا، وَتَجْوِيزُ الْعَبَثِ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ؛ فَكُلُّ مَا يَلْزَمُ عَنْهُ مُحَالٌ وَذَلِكَ اسْتِلْزَامُ الْقَصْدِ إِلَى الْإِيقَاعِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْأَمْرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَصْدَ إِلَى الْإِيقَاعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَحْظُورٌ عَقْلِيٌّ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ.


١ أي: عادة حتى يتكرر الحد الأوسط؛ فإن هذا هو ما لا يطاق الذي جوز التكليف به وإن لم يقع، أما ما لا يمكن عقلا؛ فلا، وسيأتي في قوله: "لأن حقيقته إلزام ما لا يقدر على فعله" ما يفيد ذلك. "د".
٢ لو قال: فيلزم أن يكون الأمر الذي يلزمه القصد إلى إيقاع ما لا يطاق عبثًا؛ لكان أوضح، أو يحذف كلمة القصد ويكتفي عنها بقوله بعد: "وذلك استلزام القصد إلى الإيقاع"؛ أي: وسبب المحال استلزام ... إلخ، ولكنه في الجواب الآتي يجعل القصد منصبًا على الأمر نفسه، لا على المأمور به، ويأتي للكلام بقية هناك؛ فتنبه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>