للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِقْدَارِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ اللُّغَةِ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ الدَّقَائِقَ، فَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَرُبَّمَا يَفْهَمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَيَبْنِي فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى التَّقْلِيدِ المحض، فيأتي في الكلام على مسائل الشرعية بِمَا السُّكُوتُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ١ تُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخَنَاصِرُ جَلَالَةً فِي الدِّينِ، وَعِلْمًا فِي الْأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ.

وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي "رِسَالَتِهِ"٢ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى٣، وَأَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْعَرَبَ بِكِتَابِهِ بِلِسَانِهَا عَلَى مَا تَعْرِفُ مِنْ مَعَانِيهَا٤، ثُمَّ ذَكَرَ٥ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ مَعَانِيهَا اتِّسَاعَ لِسَانِهَا وَأَنْ تَخَاطَبَ بِالْعَامِّ مُرَادًا بِهِ ظَاهِرُهُ، وَبِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَيَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِبَعْضِ مَا يُدْخِلُهُ فِي الْكَلَامِ، وَبِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، وَيُعْرَفُ بِالسِّيَاقِ، وَبِالْكَلَامِ يُنْبِئُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ، وَآخِرُهُ عَنْ أَوَّلِهِ، وَأَنْ تَتَكَلَّمَ بِالشَّيْءِ تُعَرِّفُهُ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ كَمَا تُعَرِّفُ بِالْإِشَارَةِ وَتُسَمِّي الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِالْأَسْمَاءِ الْكَثِيرَةِ، وَالْمَعَانِي الْكَثِيرَةَ بِالِاسْمِ الْوَاحِدِ.


١ كذا في "ط"، وفي غيره: "مما"، وكتب "ف": "الأولى "ممن"؛ أي: "وإن كان ذلك المتكلم ممن تعقد عليه الخناصر.... إلخ".
٢ انظر منها "الفقرات ١٧٣-١٧٨".
٣ بعد أن ذكر في "الاعتصام" مهم ما قاله الشافعي في هذا المعنى وأمثلته؛ قال "٢/ ٨٠٨ - ط ابن عفان": "وإنما أتى الشافعي بـ[النوع] الأغمض من طرائق العرب؛ لأن سائر تصرفاتها بسطها أهل فنون اللغة من نحو وبيان.. إلخ وأهل الأخبار المنقولة عن العرب لمقتضيات الأحوال". "د". وفي "ط": "خاطب بكتابه العرب ... ".
٤ أي: معاني العرب التي تنساق إليها أفهامهم. "ف".
٥ أي: الشافعي في "الرسالة" "الفقرات ٧٧-٧٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>