للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِحُكْمِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ كَانَ حُضُورُهُ مَعَ مَا هُوَ مَانِعٌ لَهُ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ سَبَبَيْنِ أَوْ حُكْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ، وَهَذَا بَابُهُ كِتَابُ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ، فَإِذَا قُلْنَا: الدَّيْنُ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ؛ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي افْتِقَارَ الْمِدْيَانِ إِلَى مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنُهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنَ النِّصَابِ؛ فَحِينَ تَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ انْتَفَتْ حِكْمَةُ وُجُودِ النصاب، وهي الغنى الذي هو عِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ فَسَقَطَتْ١، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْأُبُوَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْقِصَاصِ؛ فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ عِلَّةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ الْقَتْلِ٢ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ٣، وَمَا أَشْبَهَ ذلك مما هو كثير.


١ هذا أحد مدارك جمهور أهل العلم القائلين بعدم وجوب الزكاة على من عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه، وذهب الشافعية إلى وجوبها عليه نظرا إلى أن الزكاة حق متعلق بعين المال؛ فتقدم على الدين الذي هو متعلق بالذمة، وهذا مذهب المالكية أيضا في زكاة الحرث والماشية، وأما زكاة العين؛ فوافقوا فيها الجمهور بناء على أن تفويضها إلى أمانة المزكي جعلها كالدين المتعلق بالذمة، وترجح جانب صاحب الدين لتقدم حقه على حق مستحق الزكاة؛ ولأنه حق لمعين؛ فيقدم على الحق الثابت لغير معين. "خ". وفي "ط": "علة في وجوب ... ".
٢ جرى في المانع على أنه لا بد فيه من علة تنافي علة السبب، وجعله نوعا واحدا، وأدرج ما يسمونه مانع الحكم في مانع السبب، ومثل لمانع السبب بالمثالين اللذين جعلوا الأول منهما مثالا لمانع السبب, والثاني مثالا لمانع الحكم، وظاهر أن مثال الأبوة الذي جعلوه مثالا لمانع الحكم فيه حكمة المانع -وهي: كون الأب سببا لوجود الابن- هذه لا تخل بتحقق حكمة السبب وهي الزجر؛ إذ الزجر والانكفاف وضرورة استتباب الأمن لا تزال قائمة إذا اقتص من الوالد فلم يخل بها حكمة الأبوة حتى يكون في هذا ما يخل بحكمة السبب كما يريد، بل فيه تعارض سببين؛ فكان مقتضى تقريره في المانع ألا تعد الأبوة مانعا؛ فأنت ترى أن قصره المانع على ما نافت حكمته حكمة السبب أخرج هذا النوع من المانع، وصير تعريف المانع قاصرا، وعليه؛ فاصطلاحه مبني على اطراد أن كل مانع فيه علة تنافي علة السبب؛ فعليه تحقيق ذلك، وما لم يتحقق لا يكون هناك وجه للعدول عن كلام الأصوليين في جعلهم المانع نوعين. "د".
٣ هذه العلة هي كون الأب سببا في وجوب الابن؛ فلا يليق أن يكون الابن سببا في عدمه، قال أبو بكر بن العربي: حضرت فخر الإسلام ببغداد يناظر القاضي أبا ثعلب الواسطي؛ فقال القاضي أبو ثعلب: لا يقتل الأب بابنه لأنه سبب وجوده؛ فلا يكون سبب عدمه. فقال فخر الإسلام: هذا يبطل بما إذا زنى بابنته؛ فإنه سبب وجودها ويقتل بزناه بها. وفي الزنى مفسدة أعظم وأعم من مفسدة القتل؛ فيصح أن يكون لها تأثير في اختلاف حكمهما، ومن أدلة المسألة حديث ابن عباس: "لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد بالولد الوالد" "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>