للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقصد الثالث: الإجماع]

[الفصل الأول: في مسماه لغة واصطلاحا]

...

[المقصد الثالث: الإجماع]

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي مُسَمَّاهُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا

قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": الْإِجْمَاعُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْعَزْمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} ١.

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ" ٢.

وَثَانِيهِمَا: الِاتِّفَاقُ. يُقَالُ: أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا أَيْ صَارُوا ذَوِي جَمْعٍ كَمَا يُقَالُ أَلْبَنَ، وَأَتْمَرَ إِذَا صَارَ ذَا لَبَنٍ، وَذَا تَمْرٍ. انْتَهَى.

وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ إجماع الأمة يتعدى بعلى، والإجماع بمعنى العزيمة لا يتعدى بعلى، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي "الْمَقَايِيسِ"٣ فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: أَجْمَعْتُ عَلَى الْأَمْرِ إِجْمَاعًا وَأَجْمَعْتُهُ.

وَقَدْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ أَيْضًا الْغَزَالِيُّ.

وَقَالَ الْقَاضِي: الْعَزْمُ يَرْجِعُ إِلَى الِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْأَوَّلُ أَيِ: الْعَزْمُ أَشْبَهُ بِاللُّغَةِ، وَالثَّانِي أي: الاتفاق أشبه بالشرع. انتهى.

وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالشَّرْعِ فَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَعْنًى لُغَوِيًّا، وَكَوْنَ اللَّفْظِ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَزْمِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: يُقَالُ: أَجْمَعَ الْقَوْمُ إِذَا صَارُوا ذَوِي جَمْعٍ كَمَا يُقَالُ: أَلْبَنَ وَأَتْمَرَ إِذَا صَارَ ذَا لَبَنٍ وَتَمْرٍ. وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَهُوَ اتِّفَاقُ مُجْتَهَدِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ على أمر من الأمور.


١ جزء من الآية "٧١" من سورة يونس.
٢ أخرجه النسائي من حديث حفصة رضي الله عنها في كتاب الصيام باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك "٢٣٣٤" ٤/ ١٩٧. والترمذي في كتاب الصوم باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل "٧٣٠". وأبو داود كتاب الصيام باب النية في الصيام "٢٤٥٤". وابن ماجه في كتاب الصيام باب ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم "١٧٠٠". والدارمي في سننه في كتاب الصيام باب من لم يجمع الصيام من الليل "١٦٥٠". وابن خزيمة في صحيحه برقم "١٩٣٣".
٣ واسمه: "مقاييس اللغة"، لأحمد بن فارس بين زكريا، وهو كتاب كما وصفه ياقوت الحموي: كتاب جليل، لم يصنف مثله، ويعني ابن فارس بكلمة مقاييسه "الاشتقاق الكبير"، الذي يرجع مفردات كل مادة إلى معنى أو معانٍ تشترك فيها هذه المفردات. ا. هـ. مقاييس اللغة مقدمة النشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>