للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ

...

الْبَحْثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ

قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": إِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ خِلَافًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَكَثِيرٍ مِنْ "فُقَهَاءِ"* الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ.

وَقِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الْخِلَافُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُمْ قَوْلٌ كَخِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "اللُّمَعِ" صَارَتِ الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعِيَّةً بِلَا خِلَافٍ، وَحَكَى الْجُوَيْنِيُّ وَالْهِنْدِيُّ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ خَالَفَ فِي ذَلِكَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَقِرَّ الْخِلَافُ وَيَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِالْمَنْعِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي "الْوَجِيزِ" عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي "اللُّمَعِ"، وَنَقَلَ الْجُوَيْنِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأُصُولِ الْجَوَازَ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْجَوَازُ فِيمَا كَانَ دَلِيلُ خِلَافِهِ "الْأَمَارَةَ وَالِاجْتِهَادَ دُونَ مَا كَانَ دَلِيلُ خِلَافِهِ"** الْقَاطِعِ عَقْلِيًّا كَانَ أَوْ نَقْلِيًّا، وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إِجْمَاعَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.

فَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ "أهل"*** عَصْرٍ ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ وَبَقِيَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: إِنَّهُ يَكُونُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إِجْمَاعًا وَاخْتَارَهُ الرَّازِيُّ وَالْهِنْدِيُّ، قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": لِأَنَّ بِالْمَوْتِ ظَهَرَ انْدِرَاجُ قَوْلِ ذَلِكَ الْقِسْمِ وَحْدَهُ تَحْتَ أَدِلَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا قَالَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حُكْمِ الْبَاقِي الْمَوْجُودِ، وَالْبَاقُونَ هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ البغدادي في


* في "أ": الفقهاء.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>