للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فوائد تتعلق بالاستدلال]

الْفَائِدَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ

اعْلَمْ: أَنَّهُمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَمِمَّنْ نَقَلَ هَذَا الِاتِّفَاقَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى أَقْوَالٍ١:

الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

الثَّانِي:

أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَبِهِ قَالَ أكثر الحنفية، ونقل عن مالك، وهو قديم قولي الشَّافِعِيِّ.

الثَّالِثُ:

أَنَّهُ حُجَّةٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْقِيَاسُ، فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ مَعَهُ قول صحابي، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي "الرِّسَالَةِ".

قَالَ: وأقوال الصحابة إذا تفرقا نَصِيرُ مِنْهَا إِلَى مَا وَافَقَ الْكِتَابَ، أَوِ السنة، أو الإجماع، أو كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ، وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْقَوْلَ لَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ لَهُ فِيهِ مُوَافَقَةٌ وَلَا مُخَالَفَةٌ، صِرْتُ إِلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ وَاحِدِهِمْ إِذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا، وَلَا سُنَّةً، وَلَا إِجْمَاعًا، وَلَا شَيْئًا يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِ، أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ. انْتَهَى.

وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ يَرَى فِي الْجَدِيدِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، إِذَا عَضَّدَهُ الْقِيَاسُ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، وَابْنُ الْقَطَّانِ.

قَالَ الْقَاضِي في "التقريب": إنه الذي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيُّ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْمَلَ لَهُ إِلَّا التَّوْقِيفُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالتَّحَكُّمَ فِي دِينِ اللَّهِ بَاطِلٌ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُقَلِّدْ إِلَّا تَوْقِيفًا.

قَالَ ابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْوَجِيزِ": وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، قَالَ: وَمَسَائِلُ الْإِمَامَيْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَدُلُّ عَلَيْهِ. انْتَهَى٢.

وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا، وَدَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّوْقِيفِ، فَلَيْسَ مِمَّا نحن بصدده.


١ انظر فواتح الرحموت ٢/ ١٨٥ والبحر المحيط ٦/ ٥٣.
٢ انظر تتمة البحث مفصلا في البحر المحيط ٦/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>