للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ إذَا عَرَّفَ سَنَةً لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْت، وَقِيلَ تَكْفِي النِّيَّةُ، وَقِيلَ يَمْلِكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ

ــ

[مغني المحتاج]

هَلْ يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ إذَا وَقَعَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْوَافِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبَّةً أَوْ نَوَاةً إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَلْعُهَا وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ، فَكَيْفَ يَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ الْمُسْتَفَادِ بِالْعَادَةِ كَالشُّرْبِ مِنْ الْأَنْهَارِ. وَأَمَّا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا فِي وَقْتِ الْحَصَادِ، فَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ إعْرَاضَ الْمَالِكِ عَنْهَا أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ بِأَخْذِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآخِذُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ خَالَفَ فِي الثَّانِي الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُغْتَفَرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا يُقْتَنَى أَوْ خَمْرًا مُحْتَرَمَةً أَوْ زِبْلًا كَثِيرًا عَرَّفَهُ سَنَةً أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ اخْتَصَّ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ وَكَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ.

[فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ]

ُ (إذَا عَرَّفَ) مُلْتَقِطُهَا لِلتَّمَلُّكِ (سَنَةً) عَلَى الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا عَلَى مَا مَرَّ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ، وَ (لَمْ يَمْلِكْهَا) بِذَلِكَ (حَتَّى يَخْتَارَهُ) أَيْ التَّمَلُّكَ (بِلَفْظٍ) مِنْ نَاطِقٍ يَدُلُّ عَلَى التَّمَلُّكِ (كَتَمَلَّكْت) مَا الْتَقَطْتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ كَالشَّفِيعِ وَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْقَرْضِ، وَهَذَا فِيمَا يُمَلَّكُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِ نَقْلِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي كَانَ لِغَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ كَسَائِرِ عُقُودِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْتِقَاطِهَا، وَانْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ: أَيْ وَتَمَلُّكِهَا (وَقِيلَ: تَكْفِي) بَعْدَ التَّعْرِيفِ (النِّيَّةُ) أَيْ تَجْدِيدُ قَصْدِ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِفَقْدِ الْإِيجَابِ (وَقِيلَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (يَمْلِكُ) اللُّقَطَةَ (بِمُضِيِّ السَّنَةِ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ اكْتِفَاءً بِقَصْدِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ.

تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>