للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي الْمَسْرُوقِ أُمُورٌ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ،

ــ

[مغني المحتاج]

[كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَة]

ِ لَوْ قَالَ كِتَابُ السَّرِقَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الزِّنَا لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَعَمَّ لِتَنَاوُلِهِ أَحْكَامَ نَفْسِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا السَّرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ لُغَةً: أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً (وَشَرْعًا: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ) تَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَالْأَخْبَارُ الشَّهِيرَةُ، وَلَمَّا نَظَمَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ الْبَيْتَ الَّذِي شَكَّكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ:

يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ

أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ:

وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصُهَا ... ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وَهُوَ جَوَابٌ بَدِيعٌ مَعَ اخْتِصَارٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْيَدَ لَوْ كَانَتْ تُودِي بِمَا قُطِعَ فِيهِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَطْرَافِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا فَغُلِّظَ الْغُرْمُ حِفْظًا لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا: لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً، فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ ثَلَاثَةٌ: مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ، وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْأَوَّلِ.

فَقَالَ: (يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ: الْقَطْعِ (فِي الْمَسْرُوقِ أُمُورٌ) الْأَوَّلُ (كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ثُمَّ وَصَفَ رُبُعَ الدِّينَارِ بِكَوْنِهِ (خَالِصًا) لِأَنَّ الرُّبُعَ الْمَغْشُوشَ لَيْسَ بِرُبُعِ دِينَارٍ حَقِيقَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ رُبُعٌ خَالِصٌ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ قِيمَتَهُ) عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْوِيمِ هُوَ الذَّهَبُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا قُوِّمَتْ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ وَقْتَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَقَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَفِي الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» .

وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>