للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ.

[فَصْلٌ] يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ.

ــ

[مغني المحتاج]

الضَّرْبُ الْخَفِيفُ (وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ) أَيْ: الْمَجْلُودِ بَلْ تُتْرَكُ مُطْلَقَةً يَتَّقِي بِهَا، وَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى مَوْضِعٍ ضَرَبَ غَيْرَهُ، وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُمَدُّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ يُجْلَدُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ) الْخَفِيفَةُ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ. أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَالْفَرْوَةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ، وَيَكُونُ بِقُرْبِهَا إنْ تَكَشَّفَتْ سَتَرَهَا. وَأَمَّا الْجَلْدُ فَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَعَيُّنُ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ ضُرِبَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْخَلَوَاتِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَلَأ، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَيُوَالِي الضَّرْبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا فَرَّقَهَا عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْأَيْمَانِ إلَى الِاسْمِ، وَهُنَا التَّنْكِيلُ وَالزَّجْرُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَوْ جُلِدَ لِلزِّنَا خَمْسِينَ وِلَاءً وَفِي غَدِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ.

تَنْبِيهٌ: لَمْ يُضْبَطْ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقَعَ كَسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنْ آلَمَ وَأَثَّرَ بِمَا لَهُ وَقْعٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى، وَإِنْ تَخَلَّلَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجِنَايَاتِ السَّبْعَ الْمُوجِبَةَ لِلْحَدِّ بِالتَّعْزِيرِ، وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ.

[فَصْل فِي التَّعْزِيرِ]

فَقَالَ: [فَصْلٌ] فِي التَّعْزِيرِ، وَهُوَ لُغَةً. التَّأْدِيبُ. وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: ٩] أَيْ: تَدْفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْهُ وَتَمْنَعُوهُ، وَيُخَالِفُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَتَعْزِيرُ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَخَفُّ وَيَسْتَوُونَ فِي الْحَدِّ. وَالثَّانِي تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَالْعَفْوُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ. وَالثَّالِثُ التَّالِفُ بِهِ مَضْمُونٌ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. وَشَرْعًا: تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>