للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب الهدنة عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهَا، وَلِبَلْدَةٍ يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ أَيْضًا.

ــ

[مغني المحتاج]

عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ لِيُعَرِّفَهُ بِمِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ يَحْضُرُهُمْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، أَوْ يَشْتَكِي إلَى الْإِمَامِ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِّيفًا كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ. .

[بَابُ الْهُدْنَةِ]

ِ وَتُسَمَّى الْمُوَادَعَةَ وَالْمُعَاهَدَةَ وَالْمُسَالَمَةَ وَالْمُهَادَنَةَ، وَهِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ. وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعِينَةً بَعُوضٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِيهِمْ مَنْ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَمَنْ لَمْ يُقَرَّ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهُدُونِ، وَهُوَ السُّكُونُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ١] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] ، وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ) كَالرُّومِ وَالْهِنْدِ (يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهَا) أَيْ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ، وَالْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْأُمُورَ الْعِظَامَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ مِنْ الْآحَادِ، وَأَقْدَرُ عَلَى التَّدْبِيرِ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَقُومُ إمَامُ الْبُغَاةِ مَقَامَ إمَامِ الْهُدْنَةِ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ مَنْعِ عَقْدِهَا مِنْ الْآحَادِ لِأَهْلِ إقْلِيمٍ مَنْعُ عَقْدِهَا لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ تَعَاطَاهَا الْآحَادُ لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ لَا يُغْتَالُونَ بَلْ يَبْلُغُونَ الْمَأْمَنَ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ (وَ) عَقْدُهَا (لِبَلْدَةٍ) أَيْ كُفَّارِهَا (يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ) لِتِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ، وَلِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ فِيهِ قَلِيلَةٌ لَوْ أَخْطَأَ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ (أَيْضًا) أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ لِكُفَّارِ بَلْدَةٍ مِنْ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْضًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقُصُورُ عَلَى بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُهَادَنَةِ أَهْلِ بِلَادٍ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ فُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِعَقْدِهَا اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، لَكِنْ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا سَبَقَ فِي عَقْدِ الْأَمَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ: أَنَّ وَالِيَ الْإِقْلِيمِ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْعِمْرَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>