للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ بَيِّنَةٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

يَرْتَبْ فِيهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ فَلَا يُفَرِّقْهُمْ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْخَصْمُ تَفْرِيقَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ انْتَهَى.

[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]

(بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ إمَّا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (هُوَ جَائِزٌ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأَسْفِعِ - بِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ - مَالٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا، فَإِنَّا بَايِعُوا مَالَهُ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ: لَكِ أَنْ تَأْخُذِي، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكِ أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: خُذِي؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَقْطَعُ، فَلَمَّا قَطَعَ كَانَ حُكْمًا. كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدٌ الْمُبَايَعَةَ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِفْتَاءً قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَلِّفْهَا، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا، وَلَمْ تَجْرِ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَسْمُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْغَائِبِ، فَلْيَجِبْ الْحُكْمُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَى الْحَاضِرِ السَّاكِتِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ جَائِزٌ، وَهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ إضَاعَةً لِلْحُقُوقِ الَّتِي نُدِبَ الْحُكَّامُ إلَى حِفْظِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْجِزُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ عَنْ الْغَيْبَةِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْغَائِبِ مَا إذَا أَحْضَرَهُ الْمَجْلِسَ فَهَرَبَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَيَقْضِي بِهَا عَلَى الْغَائِبِ (إنْ) بَيَّنَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْرَهُ وَنَوْعَهُ وَوَصْفَهُ وَقَالَ: إنِّي طَالِبٌ بِحَقِّي وَ (كَانَ) لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لِقَصْدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَطَرِيقُهُ مَحْصُورَةٌ فِي إقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلَانِ مَفْقُودَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُوهِمُ جَوَازَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى. وَقَالَ: الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>