للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُمْ بَلْ يَقْصُرُونَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ أَوْ فِي الْقُرَى وَالْأَصَحُّ الْمُفْتَى بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا كَانُوا فِي تَرْحَالٍ مِنْ الْمَفَاوِزِ كَانُوا مُسَافِرِينَ إلَّا إذَا نَزَلُوا مَرْعًى وَعَزَمُوا عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُمْ مُقِيمِينَ.

(وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَقْصُرُوا وَالضَّمِيرُ لِلْمُسَافِرِ أَيْ إنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمُسَافِرُ بَلْ أَتَمَّ الْأَرْبَعَ (فَإِنْ قَعَدَ الْأُولَى تَمَّ فَرْضُهُ) ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ ثِنْتَانِ فَالْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَتْ يَتِمُّ فَرْضُهُ.

(وَ) لَكِنَّهُ (أَسَاءَ) لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَتَرْكِهِ وَاجِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي النَّفْلِ وَشَبَهُهُ عَدَمُ قَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَأْثَمَ الْعَامِلُ بِالْعَزِيمَةِ (وَمَا زَادَ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (نَفْلٌ وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ الْأُولَى (بَطَلَ فَرْضُهُ) وَانْقَلَبَ الْكُلُّ نَفْلًا لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ تَرْكُ فَرْضٍ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ افْتَتَحَهَا الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَعَادَ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا بِنِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الرَّازِيّ وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَقَدْ خَالَفَ فَرْضَهُ كَنِيَّةِ الْفَجْرِ أَرْبَعًا، وَلَوْ نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَاهَا أَرْبَعًا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ فَهِيَ مُلْغَاةٌ كَمَنْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ ثُمَّ نَوَى الْعَصْرَ، كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ فَقِيلَ الْأَفْضَلُ هُوَ التَّرْكُ تَرَخُّصًا، وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا.

وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْفِعْلُ حَالَ النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ) اقْتِدَاؤُهُ (وَأَتَمَّ) مَا شَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّكْمِيلِ (لَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ) أَيْ لَا يَقْتَدِي الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي فَرْضٍ يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ (وَهُوَ الرُّبَاعِيُّ) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ فِيهِمَا يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَعْدَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ لِاسْتِلْزَامِهِ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ حُكْمًا أَمَّا فِي الْقَعْدَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ إذْ الْقَعْدَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ نَفْلٌ عَلَى إمَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

(وَعَكْسُهُ) أَيْ إنْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ (صَحَّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُقِيمِ لَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فِي الْوَقْتِ كَانَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَزَلُوا مَرْعًى. . . إلَخْ) أَطْلَقَ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ حَتَّى لَا يُخَالِفَ حَالُهُمْ عَزِيمَتَهُمْ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَعَدَ فِي الْأُولَى تَمَّ فَرْضُهُ) أَقُولُ يَعْنِي وَكَانَ قَدْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تَمَّ فَرْضُهُ سَوَاءٌ نَوَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. . . إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ الْأُولَى بَطَلَ فَرْضُهُ) أَقُولُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

(قَوْلُهُ قَالَ الرَّازِيِّ وَهُوَ قَوْلُنَا) أَقُولُ الْمُرَادُ إسْنَادُ الْقَوْلِ لِلْمُتَكَلِّمِ فَقَطْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ نِيَّةَ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْعَدَدِ إذَا جَلَسَ آخِرَهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَوْلُ الرَّازِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ مُقَابِلٌ لِلْمَذْهَبِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْزِيهِ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجْزِيهِ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ حَالُ الْفَرْضِ فَمَا حُكْمُ السُّنَنِ؟ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُجْتَبَى.

[اقْتِدَاء الْمُسَافِر بِالْمُقِيمِ]

(قَوْلُهُ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَأَتَمَّ) أَقُولُ أَيْ سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَسَوَاءٌ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَإِذَا أَفْسَدَ صَلَاتَهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِ الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا أَفْسَدَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ سِوَى إسْقَاطَ فَرْضِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا حَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْإِمَامِ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِخَلِيفَتِهِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ الْمُسْتَخْلِفُ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ أَوْ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْآخَرَيْنِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بِالْقَضَاءِ تَلْحَقُ الْقِرَاءَةُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَيَبْقَى الثَّانِي خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.

[اقْتِدَاء الْمُقِيم بِالْمُسَافِرِ]

(قَوْلُهُ كَانَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>