للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ لَا تُكَسَّرُ عِظَامُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ وَقَلْعُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ

(بَابُ الشَّهِيدِ)

سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ «شُهَدَاءُ أُحُدٍ فَإِنَّهُمْ كُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّهِمْ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» الْحَدِيثَ وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يُلْحَقُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَمَنْ لَيْسَ بِمَعْنَاهُمْ وَلَكِنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا أَوْ مَاتَ حَرِيقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ مَبْطُونًا فَلَهُمْ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا يَرَى أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُمِلَا إلَى بَيْتِهِمَا بَعْدَ الطَّعْنِ وَغُسِّلَا وَكَانَا شَهِيدَيْنِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَعْرِيفُ شَهِيدٍ هُوَ بِمَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَلِهَذَا قَالَ (هُوَ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ) احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (بَالِغٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ (قُتِلَ ظُلْمًا) احْتِرَازٌ عَنْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَقُولُ نَقَلَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ فَقَالَ لَا إثْمَ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمَّا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ اهـ. أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً. اهـ.

قُلْتُ وَأَيْضًا لَا يُمَاثِلُ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَطْيَبَ مَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ لَا يَعْتَرِيهِمْ تَغَيُّرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَبْقَى جِيفَةً أَشَدَّ نَتْنًا مِنْ جِيفَةِ الْكَلْبِ تُؤْذِي كُلَّ مَنْ مَرَّتْ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْيَهُودِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْحَرْبِيِّينَ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَطْؤُهُ وَالنَّوْمُ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مَنْدُوبَةٌ لِلرِّجَالِ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ يس لِمَا وَرَدَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَا فِيهَا حَسَنَاتٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ فِي (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ) كَذَا الرُّطَبُ لِحَاجَةٍ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الرُّطَبِ إلَّا لِحَاجَةٍ

[بَابُ الشَّهِيدِ]

الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لِلشَّهِيدِ بِحِيَالِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إفْرَادُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ عَلَى حِدَةٍ كَإِفْرَادِ جِبْرِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ.

كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ غَرِيبٌ وَرَوَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي عَدَمِ غُسْلِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يَلْحَقُ بِهِمْ. . . إلَخْ) قَالَهُ فِي الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ ارْتَثَّ فَقَالَ ثُمَّ الْمُرْتَثُّ، وَإِنْ غُسِّلَ فَلَهُ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ كَالْحَرِيقِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ اهـ.

وَهُوَ أَوْفَرُ فَائِدَةً مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) أَقُولُ: لَكِنْ لَا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَلْ بِالْمَعْنَى مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وُجُوبُهُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ مِنْهُمَا فِي رَاوِيَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ كَمَا بَعْدَهُ فَيَجِبُ التَّغْسِيلُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: بَالِغٌ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمْ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْدَالُ لَفْظِ بَالِغٍ بِمُكَلَّفٍ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) يَعْنِي بِأَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَيُّبًا مِنْهُمْ كَمَا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلَقُوهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ وَالْكَرِّ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرَقَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إلَى الْعَدُوِّ تَسَبُّبًا أَمَّا لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُمْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سِيَاقٍ أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>