للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَى الْمُصَلَّى لِيَسْتَغْنِيَ الْفَقِيرُ عَنْ السُّؤَالِ وَيَحْضُرَ الْمُصَلَّى فَارِغَ الْبَالِ مِنْ نَفَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ

(وَوَجَبَ دَفْعُ كُلِّ شَخْصٍ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ) حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ إلَى فَقِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْإِغْنَاءُ لِمَا مَرَّ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ (وَقِيلَ) الْقَائِلُ الْكَرْخِيُّ (جَازَ) دَفْعُهَا (إلَى فَقِيرَيْنِ) لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَوْلَى (وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

(كِتَابُ الصَّوْمِ) عَقَّبَ الزَّكَاةَ بِالصَّوْمِ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (هُوَ) لُغَةً: الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا (تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْمَغْرِبِ) لَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» (بِنِيَّةٍ)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ الْعَيْنَ إذَا كَانُوا فِي مَوْضِعٍ يَشْتَرُونَ الْأَشْيَاءَ بِالْحِنْطَةِ كَالدَّرَاهِمِ. اهـ. قُلْت خِلَافٌ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَظَرَا لِمَا هُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا وَأَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ

(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ دَفْعُ كُلِّ شَخْصٍ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللُّزُومُ لِمُقَابِلَتِهِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ فَرَّقَ إلَى فَقِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ لِجَمْعٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ لِوُجُودِ الدَّفْعِ إلَى الْمَصْرِفِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَسَاكِينَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَجَوَازِ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالْإِغْنَاءِ فَيُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّبْيِينِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي بَابِ الظِّهَارِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ. . . إلَخْ) .

أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَافِعٍ مَصْرِفٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[كِتَابُ الصَّوْمِ]

[أَنْوَاع الصِّيَام]

(كِتَابُ الصَّوْمِ) (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الشَّاهِدِ وَسَكَتَ عَنْ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْحَجُّ، وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَامِسُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ إحْدَاهُمَا بِدُونِ الْأُخْرَى فَالْخَامِسُ الْحَجُّ ثُمَّ إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الصَّوْمَ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا إيجَابُهُ شَيْئَيْنِ يَنْشَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَكَسْرُ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ، وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا؛ وَلِذَا قِيلَ: إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ فَإِذَا شَبِعَتْ النَّفْسُ جَاعَتْ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا وَمِنْ فَوَائِدِهِ اقْتِضَاؤُهُ الرَّحْمَةَ وَالْعَطْفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِذَوْقِ أَلَمِ الْجُوعِ فَإِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ بِهِ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فَيُسَارِعُ إلَى رَحْمَتِهِ وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيَتَدَارَكُ مَنْ حَالُهُ هَذِهِ دَائِمًا بِإِيصَالِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: تَرْكُ الْأَكْلِ. . . إلَخْ) هَذَا الْحَدُّ صَادِقٌ بِمَنْ أَدْخَلَ شَيْئًا إلَى دِمَاغِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا وَخَرَجَ بِهِ (فَإِنْ) مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَنَّهُ صَائِمٌ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ عَمْدًا بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ، وَعَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِنِيَّةٍ فِي وَقْتِهَا مِنْ أَهْلِهِ هَذَا وَسَبَبُ وُجُوبِ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَرِّقَةٌ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدُّ لِتَخَلُّلِ زَمَانٍ لَا يَصِحُّ لِلصَّوْمِ أَصْلًا وَهُوَ اللَّيْلُ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ جَمْعِ السَّبَبَيْنِ فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ سَبَبٌ لِكُلِّهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ؛ وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ. وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ: الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ؛ وَسَبَبُ الْمَنْذُورِ وَالنَّذْرُ؛ وَلِذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ وَشَرْطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالْخُلُوُّ عَمَّا يُنَافِيهِ أَوْ يُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ ثَوَابِهِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي قَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ: الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَلَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا) أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَدْ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ أَوْ لِسَانِ الْفُقَهَاءِ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>