للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَمَتِّعًا (وَأَيًّا أَفْسَدَ أَتَمَّهُ بِلَا دَمٍ) أَيْ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَأَيَّهمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ (وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ التَّمَتُّعِ (، وَهُوَ) أَيْ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ (مِنْ الْإِفْرَادِ) فَيَكُونُ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَلَاةَ اللَّيْلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ

بَابُ الْجِنَايَاتِ

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ، ثُمَّ الْوَاجِبُ بِهَا قَدْ يَكُونُ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ دَمَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَرَادَ تَفْصِيلَهَا فَقَالَ (وَجَبَ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ إنْ طَيَّبَ عُضْوًا) كَامِلًا فَمَا زَادَ كَالرَّأْسِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَبِأَدَاءِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) أَيْ وَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرٌ لِلْفَسَادِ

[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ]

(بَابُ الْجِنَايَاتِ)

أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ) جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ فَعَلَ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْفَتْحِ الْجِنَايَةُ فِعْلٌ مُحَرَّمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا) يَعْنِي أَوْ صَوْمًا عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ كَقِيمَةِ صَيْدٍ لَا يَبْلُغُ دَمًا وَلَا صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَذَلِكَ كَتَمْرَةٍ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ رُبْعِ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ (قَوْلُهُ: وَجَبَ دَمٌ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَفَسَّرَهُ شَارِحُهُ ابْنُ الْمَلِكِ بِقَوْلِهِ أَيْ شَاةٌ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ سِرَّهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ أَشَارَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ تَجِبُ شَاةٌ إلَى أَنَّ سَبْع الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ اهـ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا أَيْ الشَّاةِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بَالِغٍ) لَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ قَيْدِ الْبُلُوغِ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْإِحْرَامِ كَالْبَالِغِ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَفِعْلُهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَا يَكُونُ جَانِيًا اهـ.

وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ) يَعْنِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنَفْسَجُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْغَالِيَةُ وَالرَّيْحَانُ وَالْوَرْدُ وَالْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ طِيبٌ وَإِطْلَاقُ الْعُضْوِ يَشْمَلُ الْفَمَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا شَيْءَ يَأْكُلُهُ مُطْلَقًا كَأَكْلِهِ مَعَ الطَّعَامِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوُجُوبَ عَنْ قَيْدِ الزَّمَانِ فَأَفَادَ وُجُوبَ الدَّمِ، وَلَوْ أَزَالَ الطِّيبَ عَنْ عُضْوِهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِلُبْسِهِ مُطَيَّبًا دَوَامُهُ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ كَثْرَةُ الطَّيِّبِ فِي الثَّوْبِ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَوَرَدَ التَّنْصِيصُ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ قَلِيلٌ وَفِي الْقَلِيلِ صَدَقَةٌ إنْ لَبِسَهُ يَوْمًا كَامِلًا وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِشَمِّ الطِّيبِ قَصْدًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا يُكْرَهُ شَمُّ الثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ كَالتُّفَّاحِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ قَصْدًا، وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ رَائِحَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الطِّيبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَطَيَّبَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَفَّرَ، ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ الطِّيبُ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا بِإِبْقَائِهِ بَعْدَ التَّكْفِيرِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَه أَوْ يَدَهُ خَلُوقٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفَتْحِ وَالْمَجْمَعِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَالرَّأْسِ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ، فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ كَغَيْرِهِ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ بِالْعُضْوِ وَالْقَلِيلَ بِمَا دُونَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةَ بِالْقَلِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَدْرٌ مِنْ الْمِسْكِ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَإِلَّا فَهُوَ قَلِيلٌ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ كَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>