للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْنِي مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ، أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِلْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ صَارَ قَاصِدًا إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ، أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ شَبَهًا بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا مِنْ وَجْهٍ صِيَانَةً لِحَقِّهَا، وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الِاضْطِرَارِ، أَوْ النَّوْمِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ لَمْ تَرِثْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ وَالْمَرَضِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالشَّرْطِ، وَالرِّضَاءُ بِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ.

(أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ) وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَصَحَّ (فَمَاتَ، أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ) الزَّوْجُ (لَمْ تَرِثْ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الصِّحَّةَ لَمَّا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ بِارْتِدَادِهَا أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ السَّبَبِ (قَالَ لَهَا إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا) حَتَّى إذَا مَرِضَ وَمَاتَ فِيهِ تَرِثُ (قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) لِأَنَّ مَدْلُولَ طَلِّقْنِي طَلَبُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّضَا بِهِ الرِّضَا بِالثَّلَاثِ فَإِذَا أَتَى بِهَا الزَّوْجُ كَانَ فَارًّا وَوَرِثَتْ الْمَرْأَةُ.

(قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى (عِنْدَ التَّزَوُّجِ فَلَا يَصِيرُ) الزَّوْجُ (فَارًّا فَلَا تَرِثُ) الْمَرْأَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ فَارًّا وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِعَدَمِ تَزَوُّجِ غَيْرِهَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ وَاتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا.

(بَابُ الرَّجْعَةِ) (هِيَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ إبْقَاءُ النِّكَاحِ عَلَى مَا كَانَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ لَا عَنْ إعَادَةِ الزَّائِلِ فَيَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَشَرْطِيَّةِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً؛ إذْ الْمِلْكُ بَاقٍ فِي الْعِدَّةِ زَائِلٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (بِنَحْوِ رَاجَعْتُك وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ فَلَا يَجُوزُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: قَالَ لَهَا: إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا) هُوَ الصَّحِيحُ فَتَرِثُ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا تَرِثُ وَكَذَا يَكُونُ فَارًّا إذَا عَلَّقَ الْمَرِيضُ الثَّلَاثَ بِعِتْقِهَا، أَوْ إسْلَامِهَا، أَوْ قَالَ سَيِّدُ الْأَمَةِ: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، وَقَالَ زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ إنْ عَلِمَ بِكَلَامِ الْمَوْلَى يَكُونُ فَارًّا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهَا وَطَلَاقَهَا ثَلَاثًا بِالْغَدِ فَجَاءَ وَقَعَا، وَلَا تَرِثُ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِهِ بِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَالْكَلَامَ عَلَى عِدَّتِهَا، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ فَارًّا وَتُزَادُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً فِي تَعْلِيقِ الْفَارِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهَا.

(قَوْلُهُ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ. . . إلَخْ) فِيمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَا تَرِثُ طَالِبَةُ رَجْعِيٍّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا غَنِيَّةً عَنْ هَذَا.

(قَوْلُهُ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا تَرِثُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ.

[بَابُ الرَّجْعَةِ]

(بَابُ الرَّجْعَةِ) الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ فِيهَا أَفْصَحُ مِنْ الْكَسْرِ خِلَافًا لِلْأَزْهَرِيِّ فِي دَعْوَى أَكْثَرِيَّةِ الْكَسْرِ، وَلِمَكِّيٍّ تَبَعًا لِابْنِ دُرَيْدٍ فِي إنْكَارِ الْكَسْرِ عَلَى الْفُقَهَاءِ تَتَعَدَّى وَلَا تَتَعَدَّى يُقَالُ: رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَرَجَعْتُهُ إلَيْهِمْ رَدَدْتُهُ رَجْعًا وَرُجُوعًا وَمَرْجِعًا كَذَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ رَاجَعْتُكِ) يُرِيدُ بِهِ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَارْتَجَعْتُكِ وَرَجَعْتُكِ وَرَدَدْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ وَمَسَكْتُكِ وَهَذَا صَرِيحٌ وَاشْتُرِطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي رَدَدْتُكِ الصِّلَةُ كَإِلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي، أَوْ إلَى عِصْمَتِي وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الصِّلَةِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالْمُرَاجَعَةِ قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ حَسَنٌ، إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّ الْقَبُولِ وَمِنْ الصَّرِيحِ النِّكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ،.

وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا رُكْنُ الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ إمَّا قَوْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ الصَّرِيحُ مَا تَقَدَّمَ وَالْكِنَايَةُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ وَأَنْتِ امْرَأَتِي فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) بَيَانٌ لِلرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَنُقِلَ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا رَاجَعَهَا بِقُبْلَةٍ، أَوْ لَمْسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْإِشْهَادِ ثَانِيًا. اهـ. لِأَنَّ السُّنَّةَ الرَّجْعَةُ بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ وَإِعْلَامِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ) يَعْنِي بِهِ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهَا وَالنَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُرَاجَعَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا بَعْدَ كَوْنِهِ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>