للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَقُولُ مُرَادُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تَلْغُوَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمُدَّعِي لَكِنَّهَا تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُدَّعِي تَقْرِيرًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا وَعَنْهُ خَلَفٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُخَاصَمَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا فَكَأَنَّ الْمُوصِيَ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا حَقَّهُ وَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكُونُ الْمُوصِي مُدَّعِيًا مِنْ وَجْهٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ آخَرَ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا الْحَلِّ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ فِيهِ مَا إذَا أَنْكَرَ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ أَوْ الْوَارِثُ يُنْكِرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَالْعَبْدَانِ يُرِيدَانِ إثْبَاتَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مَا ذُكِرَ بَلْ إنْكَارُ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدَيْنِ إثْبَاتَهُ لَيْسَ إلَّا فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَقَالَ بَعْدَهُ: أَمَّا إذَا أَشْهَدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. . . إلَخْ وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ بَلْ جَعَلَ الْمُوصِيَ مُدَّعِيًا وَنَائِبَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَدَّعِي، وَالْعَبْدُ الَّذِي وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ مَجْهُولٌ وَأَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ إنْكَارَ الْمَوْلَى لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتَقَ مُوَرِّثِي أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَانَ إقْرَارًا لَا دَعْوَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الشَّاهِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا

(بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ)

(قَالَ: إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ حُرٌّ) أَيْ يَوْمَ أَدْخُلُهَا (عَتَقَ مَنْ لَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ أَوْ كَانَ فِي

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ اهـ.

وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُنَّ.

[بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ]

الْحَلِفُ: بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ، وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ أَعْنِي حَلْفًا بِالْإِسْكَانِ، يُقَالُ: حَلِفًا وَحَلْفًا، وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ، كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ

أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْت رَبِّي وَإِنَّنِي ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمًا وَمَقَامِ

عَلَى حَلْفَةٍ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا ... وَلَا خَارِجًا مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ

، وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قَالَ إنْ دَخَلْتُ) الْمُرَادُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّنْجِيزِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ قَالَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ مَا سَأَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا فَهُوَ قِنٌّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لَيْسَ أَهْلًا لِتَعْلِيقِهِ، وَحَكَمَا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ: فِي بَابِ التَّدْبِيرِ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَعْتِقُ اهـ.

فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظَةِ فَهُوَ (قَوْلُهُ: وَقْتَ الدُّخُولِ) عَدَلَ إلَى لَفْظَةِ وَقْتَ عَنْ لَفْظَةِ يَوْمَ لِيُفِيدَ أَنَّ لَفْظَ الْيَوْمِ مُرَادٌ بِهِ الْوَقْتَ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>