للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ بَلْ يَبْقَى لِكُلِّ رَجُلٍ قِسْطُهُ فَصَارَ عَلَيْهِمَا الرُّبْعُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاجِعَيْنِ حَدٌّ كَامِلٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَجَزَّأُ

(ضَمِنَ الْمُزَكِّي دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ (كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ وَلَمْ يُرْجَمْ ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بَعْدُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ دَمَ الْعَمْدِ.

(وَ) ضَمِنَ (بَيْتُ الْمَالِ إنْ لَمْ تُزَكِّ فَرُجِمَ) لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا هَذَا

(أَقَرَّ شُهُودُ الزِّنَا بِنَظَرِهِمْ عَمْدًا قُبِلَتْ) لِإِبَاحَةِ النَّظَرِ لَهُمْ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ

(زَانٍ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ) بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ (فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَوَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ رُجِمَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ زُفَرَ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَالشَّافِعِيُّ يَجْرِي عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ مُفْضِيَةً إلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ فِي الْمَانِعِ غَيْرُ مَعْقُولٍ

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

(إذَا شَرِبَ خَمْرًا) جَوَابُ إذَا قَوْلُهُ الْآتِي حُدَّ يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ (وَلَوْ) كَانَتْ (فِطْرَةً أُخِذَ بِرِيحِهَا وَإِنْ زَالَتْ) أَيْ رِيحُهَا لِبُعْدِ الطَّرِيقِ (أَوْ سَكِرَ) عَطْفٌ عَلَى شَرِبَ (وَزَالَ عَقْلُهُ) بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِقَوْلِهِ سَكِرَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسُّكْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ هَذَا الْمَعْنَى وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا (بِنَبِيذٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ غَيْرِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُزَكِّي) التَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ أَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُمْ عُدُولٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ مَعْنَى الرُّجُوعِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ اتِّفَاقًا وَعَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ الْمُزَكُّونَ عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ قَائِلِينَ هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اتِّفَاقًا وَمَعْنَاهُ بَعْدَ ظُهُورِ كُفْرِهِمْ حُكْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا طَرَأَ كُفْرُهُمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي ادِّعَاءِ طَرَيَانِ الْكُفْرِ لِتَصَوُّرِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي الرِّقِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ. . . إلَخْ) فِي جَعْلِ هَذَا صُورَةً أُخْرَى لِلظُّهُورِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى اهـ.

وَقَدْ صَوَّرَ الْكَمَالُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرُّوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَفِيمَا إذَا قَالُوا أَخْطَأْنَا ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يَبْقَ لِصُورَةِ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا تَعَمَّدْنَا فَقُلْنَا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ مَعَ عِلْمِنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ فِي صُورَةِ الرُّجُوعِ الْخِلَافِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَذَا الْوَجْهِ أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ فَرَجَمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ إلَى الرَّجُلِ فِي قَوْلِهِ فَقَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ

(قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَاءَ مَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِهِ إحْسَانُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالزِّفَافِ وَالْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَكَلَفْظِ الْإِتْيَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ. اهـ.

[بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ]

(بَابٌ حَدُّ الشُّرْبِ) (قَوْلُهُ وَأُخِذَ بِرِيحِهَا) قَيَّدَ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَبِوِجْدَانِ الرَّائِحَةِ وَإِذَا شَهِدَا بِالشُّرْبِ فَقَطْ يَأْمَرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهُهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ زَالَتْ لِبُعْدِ الطَّرِيقِ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ) ظَاهِرٌ فِيمَا لَيْسَ مُحَرَّمًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَهُ وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِأَصْلِهَا كَيْفَ يُشْتَرَطُ الْهَذَيَانُ لِلْحُرْمَةِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَ إلَى السُّكْرِ قَدْ تَكُونُ حَرَامًا كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ اهـ فَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُرْمَةُ فِيهَا عَلَى الْهَذَيَانِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ كَلَامُهُ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ لِلْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>