للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) أَمَّا الْقَطْعُ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَلِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ يُعْمَلُ بِهَا عِنْدَنَا (مِنْ زَنْدِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ» وَيُحْسَمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاقْطَعُوا وَاحْسِمُوا» (إلَّا فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ (ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ فَإِنْ عَادَ لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ (وَحُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) وَعُزِّرَ أَيْضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِينَ حَجَّهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي بِهَا وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ النَّسْخِ (فَإِنْ كَانَ) جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ يُقْطَعْ أَمَّا عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا كَانَ (يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ إبْهَامُهَا أَوْ إصْبَعَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ) فَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَطْشُ وَالْمَشْيُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا عَدَمُهُ فِيمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) فَلِأَنَّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لَا تُمْكِنُ فَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ وَأَمَّا فِيمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ) مَعَ الْقَبْضِ (أَوْ بِيعَ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ قَبْلَ الْقَطْعِ) هَذَا قَيْدٌ لِلْمِلْكِ وَالنُّقْصَانِ مَعًا فَلِأَنَّ قِيَامَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَقَدْ انْتَفَى فِي الْأَوَّلِ وَقِيَامُ كَمَالِ النِّصَابِ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ أَيْضًا وَقَدْ انْتَفَى فِي الثَّانِي وَأَمَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ سَرَقَ) وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ (فَادَّعَى) كَوْنَ الْمَسْرُوقِ (مِلْكَهُ) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ وَتَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَأَمَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَقَرَّا) أَيْ السَّارِقَانِ بِالسَّرِقَةِ (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْمِلْكَ (أَحَدُهُمَا) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ حَيْثُ لَا يُقْطَعَانِ فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ أَوْ سَرَقَ فَادَّعَى مِلْكَهُ أَوْ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَالْمَطْلُوبُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ فَادَّعَى فَالْمَعْنَى أَوْ سَرَقَ سَارِقَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُقِرَّ السَّارِقَانِ وَادَّعَى الْمِلْكَ أَحَدُهُمَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ لَا إشْعَارَ فِي الْعِبَارَةِ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[فَصْلٌ عُقُوبَة السَّارِق]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) يَعْنِي بِحَضْرَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَأَمَّا حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فَقَدَّمْنَا عَنْ الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَهَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ.

وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَعْزُوًّا لِلْحَاكِمِ مَا لَا يُفِيدُ هَذَا (قَوْلُهُ وَتُحْسَمُ) الْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ تُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ اهـ.

وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاقْطَعُوا وَاحْسِمُوا» ) يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَسْمِ وَلِأَنَّهُ عُلِّلَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ لَأَدَّى إلَى التَّلَفِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً اهـ.

(قَوْلُهُ جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ يُقْطَعْ) لَمْ أَرَ جَوَابَ الشَّرْطِ فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ فَالْحَوَالَةُ غَيْرُ رَائِجَةٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ إصْبَعَاهَا) يَعْنِي غَيْرَ الْإِبْهَامِ (قَوْلُهُ أَوْ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ يُقْطَعُ وَكَذَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا وَرَدَّهُ إلَى وَلَدِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَوْ ذَوِي رَحِمِهِ وَكَانُوا فِي عِيَالِهِ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَكَذَا رَدُّهُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ مَعَ الْقَبْضِ) هَكَذَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقَبْضِ فِي الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْطَعُ الْخُصُوصِيَّةَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَهَبُ لِيُخَاصِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى عَدَمُ اسْتِقَامَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِأَنْ يُقِرَّا بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ يَدَّعِي الْمِلْكَ أَحَدُهُمَا بَلْ حُكْمُ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ ادِّعَاءُ الْمِلْكِ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ فَعِبَارَةُ الْوِقَايَةِ أَشْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>