للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ خَشَبٍ كَبِيرٍ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

(وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ (كَوْنُ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا) أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا لِمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْحُدُودِ أَوْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعُقُوبَاتِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدٌ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمَا (وَ) كَوْنُ (الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (أَبَدًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّ عِصْمَةَ دَمِهِ مُؤَقَّتٌ إلَى رُجُوعِهِ (بِالنَّظَرِ إلَى الْقَاتِلِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَتَلَ زَيْدٌ بَكْرًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَتَلَ بِشْرٌ زَيْدًا فَإِنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ مَعْصُومَ الدَّمِ بِالنَّظَرِ إلَى أَوْلِيَاءِ بَكْرٍ لَكِنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ بِالنَّظَرِ إلَى بِشْرٍ أَبَدًا وَلِذَا وَجَبَ عَلَى بِشْرٍ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ قَتَلَ زَيْدًا عَمْدًا وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً كَمَا سَيَأْتِي (وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ (شُبْهَةُ وِلَادٍ، وَ) شُبْهَةُ (مِلْكٍ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ عَمْدًا حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ

(وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ٩٣] وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ (وَالْقَوَدُ عَيْنًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَمْدُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ. وَلِأَنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ الْقَوَدُ فَإِنَّ نَفْسَ الْعَمْدِ لَا يَكُونُ قَوَدًا أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ إشْكَالٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فَتَخْصِيصُ الْخَطَأِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذَلِكَ وَمَنْ ادَّعَى الشُّهْرَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَأَنَّ تَخْصِيصَ عَامِّ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يُخَصَّصَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ لَا يَجُوزُ وَلَفْظُ الْقَتْلَى فِي الْآيَةِ إمَّا مُطْلَقٌ أَوْ عَامٌّ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْآيَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] يَدُلُّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ فَقَطْ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ وَكُتُبِ الْمَعَانِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَاحَظَ أَنَّهُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ ارْتَدَعَ بِالضَّرُورَةِ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا لَمْ يَقْتُلْ لَمْ يُقْتَلْ فَيَبْقَيَانِ عَلَى الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْعَمْدِ فَإِنَّ الْقَاتِلَ فِي الْخَطَأِ لَا يُقْتَلُ بَلْ يَتَخَلَّصُ بِالدِّيَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ الرَّدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّهُ) بِلَا بَدَلٍ (أَوْ يُصَالِحَ بِبَدَلٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.

(وَ) حُكْمُهُ أَيْضًا (حِرْمَانُ الْإِرْثِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَرَجُلٍ قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ كَاسْمِهَا مَاحِيَةً لِلْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي الْعَمْدِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَمُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ سَوَاءً كَانَ حَدِيدًا أَوْ عُودًا أَوْ حَجَرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْجُرْحُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي نُسْخَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْجُرْحُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي فِي شِبْهِ الْعَمْدِ) لَمْ يُسْتَوْفَ ثَمَّةَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ هُنَا إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ضَرْبَهُ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ

[شَرْطُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ]

(قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى الشُّهْرَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ) بَيَانُهُ مَا قَالَ الْغَزِّيُّ فِي شَرْحِهِ قَدْ صَرَّحَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يُخَصَّ أَوْ لَا بَلْ خُصَّ مِنْهُ مَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَخَصَّ مِنْهُ قَاتِلَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شُبْهَةُ وِلَادٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْقَبُولِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ يُصَالِحُ) هُوَ عَفْوٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُبَدَّلُ كَالْخَطَأِ يَعْنِي وَشِبْهَ الْعَمْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>