للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ نَخَسَهَا) أَيْ طَعَنَهَا بِعَوْدٍ وَنَحْوِهِ (فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا شَخْصًا آخَرَ) غَيْرَ الطَّاعِنِ (أَوْ نَفَرَتْ) مَنْ ضَرَبَهُ أَوْ نَخَسَهُ (فَصَدَمَتْهُ وَقَتَلَتْهُ ضَمِنَ هُوَ) أَيْ الضَّارِبُ وَالنَّاخِسُ (لَا الرَّاكِبُ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي حَتَّى لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا (وَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَأَهْلَكَتْهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا) لِأَنَّهُ كَالْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ الرَّاكِبُ فَقَتَلَتْهُ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ حَتَّى يَكُونَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ فَبَقِيَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَى الرَّاكِبِ

. (وَ) ضَمِنَ (فِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النُّقْصَانُ إلَّا بِحَسْبِهِ (وَ) ضَمِنَ (فِي عَيْنِ بَقَرِ جَزَّارٍ وَجَزُورِهِ) أَيْ إبِلِهِ (وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ رُبْعَ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا.

[بَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ]

(جَنَى عَبْدٌ عَمْدًا فَفِي النَّفْسِ يَجِبُ الْقَوَدُ) لِمَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُصَالِحَ) وَلِيُّ الْقَتِيلِ مَوْلَى الْعَبْدِ أَيْ يَقَعُ الصُّلْحُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى (أَوْ يَعْفُوَ) أَيْ يَقَعَ الْعَفْوُ مِنْ الْوَلِيِّ (وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ) لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ (وَيَثْبُتُ) أَيْ الْقَوَدُ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (لَا إقْرَارِ الْمَوْلَى) لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مِنْ الْعَبْدِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَائِدًا عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ فَيُقْبَلُ وَهُوَ يَجْرِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الدَّمِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَإِنْ كَانَ هَذِهِ الْإِقْرَارُ يُصَادِفُ حَقَّ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ فَلَمْ تَجِبْ مُرَاعَاتُهُ (وَفِيمَا) عُطِفَ عَلَى فِي النَّفْسِ (دُونَهَا) أَيْ دُونَ النَّفْسِ (كَالْخَطَأِ) أَيْ يَكُونُ كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَبَيَّنَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ (دَفَعَهُ سَيِّدُهُ بِهَا) أَيْ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ (وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ الْعَبْدِ وَالْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ لِتَخْلِيصِ عَبْدِهِ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحُرِّ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (حَالًّا) أَيْ كَائِنًا، كُلٌّ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى الْحُلُولِ أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى (فَإِنْ فَدَاهُ فَجَنَى فَهِيَ كَالْأُولَى) فَإِنَّهُ إذَا فَدَى خَلَصَ الْجَانِي عَنْ الْأُولَى

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

بَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ)

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الدَّفْعِ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْقِصَاصُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُ الدَّفْعِ فِدَاءً عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيمَا دُونَهُمَا كَالْخَطَأِ) لَمْ يَذْكُرْ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَطَأُ.

وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى وَعِلْمُ الْقَاضِي وَلَا تَظْهَرُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالِ الرِّقِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ الْمُفْتِي بِهِ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ فَعَطِبَ فِيهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ.

وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ بِسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِالْمَوْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ حُكْمُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَعَيَّنَ الْفِدَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُخَيَّرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْآخَرُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي حُكْمِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ اخْتَارَهُ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ.

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَى الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاخْتِيَارَيْنِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>