للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَّ ذِكْرُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَوْ بَعْدَهَا (وَ) يُبْطِلُهُ (مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ) كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ بِلَا تَسْلِيمٍ (بَعْدَ الرُّؤْيَةِ) لَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَهُوَ إنَّمَا يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْأُوَلُ فَهِيَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَبَعْضَهَا أَوْجَبَ حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ (كَذَا طَلَبُ الشُّفْعَةِ بِمَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا.

(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) (مُشْتَرٍ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ عِنْدَ التُّجَّارِ) وَهُوَ الْعَيْبُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا فَاتَتْ خُيِّرَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ (لَا غَيْرُ) أَيْ لَا إمْسَاكُهُ وَأَخَذَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي (كَالْإِبَاقِ) ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ (وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ، وَكُلُّهَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ) فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا وُجِدَ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَيَكُونُ عَيْبًا وَيَزُولُ بِالْبُلُوغِ، فَإِنْ عَاوَدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ عَيْبًا حَادِثًا فَيَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا، فَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ لَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ (وَكَالْجُنُونِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) أَيْ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ يَعْنِي إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ يَكُونُ عَيْبًا وَاحِدًا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَسْقَطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ كَذَا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ. . . إلَخْ) صَوَابُهُ وَيُبْطِلُهُ بِصِيغَةِ الْإِثْبَاتِ وَلَا النَّافِيَةُ زَائِدَةٌ يَخْتَلُّ بِهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ مُبْطِلًا إذَا كَانَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَهُوَ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : لَا يُفْتَقَرُ إلَى التَّصَرُّفِ الْمُبْطِلِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعُ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الْأَصْلِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُخْلَقُ جَيِّدَةً وَرَدِيئَةً وَوَسَطًا وَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْآفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا فَالْحِنْطَةُ الْمُصَابَةُ بِهَوَاءٍ مَنَعَهَا تَمَامَ بُلُوغِهَا الْإِدْرَاكَ حَتَّى صَارَتْ رَقِيقَةَ الْحَبِّ مَعِيبَةٌ كَالْعَفَنِ وَالْبَلَلِ وَالسُّوسِ (قَوْلُهُ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَةِ الْعَيْبِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يَنْقُصُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا) كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ رِضًى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ اهـ، وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ) أَيْ بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْأَخْذَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَالْإِبَاقِ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلَ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةِ) يَعْنِي سَرِقَةَ غَيْرِ نَحْوِ الْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) شَرْطُ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ لِلرَّدِّ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ لِلْجُنُونِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا غَلَطٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُ الرَّدَّ بَعْدَ وِلَادَتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِامْتِنَاعِهِ بِتَعَيُّبِهَا عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ ثَانِيًا مَعَ الْعَيْبِ السَّابِقِ بِهَا (قَوْلُهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ.

وَفِي الْمُحِيطِ تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ قِيلَ هُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>