للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَبَطَلَ مَا قِيلَ: لَوْ بَطَلَ بَيْعُ هَؤُلَاءِ لَكَانَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَلَزِمَ بُطْلَانُ بَيْعِ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ كَالْمَضْمُومِ إلَى الْحُرِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِمْ مَحَلًّا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ فَبَقِيَ الْقِنُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ بَقَاءً جَائِزٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي.

(وَبَيْعُ مَالٍ) عَطْفٌ عَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ (غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَيْتَةٍ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قَيَّدَهَا بِهِ لِتَكُونَ مَالًا كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَا تَكُونُ مَالًا عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَيْضًا (بِالثَّمَنِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ مَالٍ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُهَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ لِتَوَقُّفِ الْبَيْعِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَكَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا لِتَمَلُّكِهِ بِمُقَابَلَةِ تَمَلُّكِ مَالٍ آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ، وَإِنْ قُوبِلَتْ بِعَيْنٍ فَسَدَ الْبَيْعُ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا سَيَأْتِي.

. (وَ) بَطَلَ أَيْضًا (بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَذَكِيَّةٍ ضُمَّتْ إلَى مَيْتَةٍ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قُيِّدَتْ بِهِ لِتَكُونَ كَالْحُرِّ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُ الْقِنِّ وَالذَّكِيَّةِ (وَإِنْ سُمِّيَ ثَمَنُ كُلٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ وَبِضَمِّهِ إلَى الْقِنِّ جُعِلَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْقِنِّ وَجَعَلَ غَيْرَ الْمَالِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ، وَصَحَّ بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ أَوْ قِنَّ غَيْرِهِ وَمِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَيْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَبُطْلَانُهَا لَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا.

(وَبَيْعُ مَا لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الصَّغِيرِ أَوْ وَصِيَّةِ مَالِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمْ وَإِجَازَاتُهُمْ يَعْنِي الْأَبَ وَالْجَدَّ وَوَصِيُّهُمَا وَالْقَاضِي بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ.

(وَبَيْعٌ نُفِيَ فِيهِ الثَّمَنُ) فَإِنَّهُ إذَا نُفِيَ فَقَدْ نُفِيَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعَقْدِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْهُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي.

[حُكْمُ الْبَيْعِ الْبَاطِل]

(وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ (أَنَّ الْمَبِيعَ بِهِ لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَقِيلَ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فَيَقُولُ اذْهَبْ بِهَذَا، فَإِنْ رَضِيتَ بِهِ اشْتَرَيْته بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.

[الْبَيْعِ الْفَاسِد]

(الْبَيْع الْفَاسِد) ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفَاسِدِ فَقَالَ (وَفَسَدَ مَا) أَيْ بَيْعٌ (سَكَتَ) أَيْ وَقَعَ السُّكُوتُ (فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ) فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِهِ بَلْ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ كَانَ غَرَضُهُ الْقِيمَةَ فَكَأَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ فَيَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ..

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَمِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ. . . إلَخْ) صَرَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَأَحْسَنَ بِذَلِكَ وَبِجَعْلِهِ مِنْ قِسْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ إذْ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَغَلَّطَ مَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا وَأَفْتَى بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَرَدَّ كَلَامَهُ فِي عَصْرِهِ بِجُمْلَةِ رَسَائِلَ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ هِيَ حُسَامُ الْحُكَّامِ مُتَضَمِّنَةٌ لِبَيَانِ فَسَادِ قَوْلِهِ وَبُطْلَانِ فَتْوَاهُ.

(قَوْلُهُ: فَبُطْلَانُهَا) وَاضِحٌ بِرَدِّ مَالِكِ الْقِنِّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَكِنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ أَحْسَنُ لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْبَيْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَرْجِعُ إلَى الْمُدَبَّرِ وَإِلَى الْوَقْفِ وَكَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِهِمَا مَالًا لِإِطْبَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ نَفَاذِ بَيْعِ الْوَقْفِ الْعَامِرِ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمُتْلِفِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ قِنِّ الْغَيْرِ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>