للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُتَسَامَحُ فِيهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي وَلِذَا جُوِّزَتْ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَلَزِمَتْ (أَوْ أَحَالَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَأَجَّلَهُ الْمُقْرِضُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُقْرِضُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَقْرِضَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ بَرَاءَةَ الدَّيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَبَرَاءَةَ الْمُطَالَبَةِ فِي أُخْرَى، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

(بَابُ الرِّبَا)

(هُوَ) لُغَةً الْفَضْلُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ) فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزِ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْمُجَانَسَةِ (بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فَفَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ عَلَى خَمْسَةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ (خَالِيًا عَنْ عِوَضٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ الثَّانِيَ فَاضِلٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنْ غَيْرَ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ (شَرَطَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) حَتَّى لَوْ شَرَطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا (فِي الْمُعَاوَضَةِ) حَتَّى لَمْ يَكُنْ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ رِبًا (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» أَيْ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْخَبَرُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ صُرِفَ الْوُجُوبُ إلَى رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] حَيْثُ صُرِفَ الْإِيجَابُ إلَى الْقَبْضِ فَصَارَ شَرْطًا لِلرَّهْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى مَعًا وَالْقَدْرُ يُسَوِّي الصُّورَةَ وَالْجِنْسِيَّةُ تُسَوِّي الْمَعْنَى فَيُنْظَرُ الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ الرِّبَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» (فَإِنْ وُجِدَا) أَيْ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ (حَرُمَ الْفَضْلُ) كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ (وَالنَّسَاءُ) وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا نَسِيئَةً (وَإِنْ عُدِمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَّا) أَيْ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ (وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (حَلَّ الْفَضْلُ) كَمَا إذَا بِيعَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ، فَإِنْ أَجِدْ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ مَوْجُودٌ هُنَا لَا الْجُزْءُ الْآخَرُ وَهُوَ الْجِنْسُ، وَإِنْ بِيعَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ، وَإِنْ عُدِمَ الْقَدْرُ (لَا النَّسَاءُ) أَيْ لَا يَحِلُّ النَّسَاءُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ بِالتَّسَاوِي فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَرِبَا النَّسِيئَةِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ لَكِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَهِيَ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، فَفِي النَّسِيئَةِ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُرَجِّحًا لِتِلْكَ الشُّبْهَةِ فَلَمْ تَحِلَّ وَفِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ لَمْ يَعْتَبِرْ الشُّبْهَةَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْحَقِيقَةِ (كَسَلَمِ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَبُرٍّ فِي شَعِيرٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ الْقَدْرِ (وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ وُجِدَا حَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ قَوْلُهُ (فَحَرُمَ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ) أَيْ بَيْعِ الْكَيْلِيِّ بِالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ أَوْ أَحَالَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ. . . إلَخْ) حِيلَةُ لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

[بَابُ الرِّبَا]

(قَوْلُهُ وَشَرْعًا فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ. . . إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ جِنْسٍ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ فَضْلٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ أَيْ خَاصَّةٍ لِيَخْرُجَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ أَوْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ. اهـ. وَمِنْ شَرَائِطِ الرِّبَا عِصْمَةُ الْبَدَلَيْنِ وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْإِتْلَافِ فَعِصْمَةُ أَحَدِهِمَا وَعَدَمُ تَقَوُّمِهِ لَا يُمْنَعُ فَشِرَاءُ الْأَسِيرِ أَوْ التَّاجِرِ مَالَ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَمْلُوكَيْنِ؛ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ وَلَا مُشْتَرَكَيْنِ فِيهِمَا بِشَرِكَةِ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: فَفَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَيْضًا وَفَضْلُ سِتِّ حَفَنَاتٍ عَلَى خَمْسٍ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ بُلُوغُ أَحَدِ الْحَفَنَاتِ نِصْفَ الصَّاعِ فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ: شَرَطَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَكُونُ بَيْعًا فَاسِدًا لِشُمُولِهِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) أَيْ مَعَ الْجِنْسِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا وَأُضِيفَ إلَيْهِ مُخْتَلِفُ الْجِنْسِ صَارَ جِنْسَيْنِ حُكْمًا حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مَعَ دُهْنِ الْوَرْدِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّيْتُ أَوْ الشَّيْرَجُ فَصَارَا جِنْسَيْنِ بِاخْتِلَافِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ وَلَمْ يُبَالِ بِاتِّحَادِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَسَلَمٍ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) يَعْنِي أَوْ بَيْعُهُ بِهِ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ أَوْ عَبْدًا بِعَبْدٍ نَسِيئَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>