للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِصْنَاعِ بِأَجَلٍ سَلَمًا إذَا لَمْ يَتَعَامَلُوا فَبِالْوِفَاقِ، وَأَمَّا إذَا تَعَامَلُوا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ سَلَمًا وَعِنْدَهُمَا لَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ وَجَوَازُ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى.

(وَ) الِاسْتِصْنَاعُ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْأَجَلِ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا لِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ (بَيْعًا لَا عِدَّةً) كَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ بَيْعًا بِقَوْلِهِ (فَالصَّانِعُ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِهِ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَمْ يُجْبَرْ وَبِقَوْلِهِ (وَالْأَمْرُ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَجَازَ رُجُوعُهُ (الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ قَوْلًا بِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ الْعَيْنَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ جَاءَ) أَيْ الصَّانِعُ (بِمَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرَهُ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ صَنَعَهُ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) أَيْ الْمَبِيعُ (لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (بِلَا رِضَاهُ فَصَحَّ بَيْعُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْآمِرِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (الْخِيَارُ) بَعْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ (وَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ السَّلَمُ (فِي غَيْرِ الْمُتَعَامَلِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ) يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثِيَابًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَجُزْ إذْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ.

(مَسَائِلُ شَتَّى)

جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنَى الْمُتَفَرِّقِ (صَحَّ بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ) كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَالْجَوَارِحِ عُلِّمَتْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ (إلَّا الْخِنْزِيرَ) لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ (وَالذِّمِّيَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ (كَالْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مُحْتَاجُونَ كَالْمُسْلِمِينَ (إلَّا فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهَا كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ (وَمَيْتَةً لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) فَإِنَّهَا كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ كَذَلِكَ بَطَلَ بَيْعُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُسْلِمُ فِيهِ كَالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ (فَإِذَا اشْتَرَى) أَيْ الذِّمِّيُّ (عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا يَصِحُّ) لِدُخُولِهِ تَحْتَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ فِي يَدِهِ إذْلَالًا لَهُ (وَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ لَا نِكَاحُهَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَزَوَّجَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا صَحَّ، فَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فَقَدْ قُبِضَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ تَزْوِيجِهَا قَابِضًا لَهَا (اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ) وَعَدَمُ قَبْضِ ثَمَنِهِ (إنْ عُلِمَ مَكَانُهُ لَمْ يَبِعْ لِدَيْنِهِ) أَيْ دَيْنِ الْبَائِعِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَصِلَ الْبَائِعُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ) قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ أَيْ لِلْأَمْرِ الْخِيَارُ) أَيْ دُونَ الصَّانِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّانِعَ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِحَّ أَيْ السَّلَمُ فِي غَيْرِ الْمُتَعَامَلِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَمْ يَصِحَّ أَيْ الِاسْتِصْنَاعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ شَرْحُهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ. . . إلَخْ عَلَى أَنَّ هَذَا مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ الِاسْتِصْنَاعُ بِأَجَلٍ سَلَمٌ تَعَامَلُوا أَوْ لَا.

[مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْبَيْع]

[بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ]

(قَوْلُهُ: كَالْكَلْبِ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ وَشَرَطَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

وَفِي الْمُحِيطِ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ مَذْبُوحًا لِطَهَارَةِ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالسِّبَاعِ) شَامِلٌ لِلْقِرْدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لُحُومِهَا وَلُحُومُ الْحُمْرِ الْمَذْبُوحَةِ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إيكَالِ الْكِلَابِ وَالسَّنَاوِيرِ بِخِلَافِ لَحْمِ الْخَنَازِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعَمَ الْكِلَابَ وَالسَّنَاوِيرَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قُلْت) وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَصْحِيحِ طَهَارَةِ اللَّحْمِ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى أَصَحِّ التَّصْحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا الْجِلْدَ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَآلَةُ الِاصْطِيَادِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْوَزَغِ وَالْعَطَّافَةِ وَالْقَنَافِذِ وَنَحْوِهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ فِي الصَّحِيحِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ مَصِّ الدَّمِ مِنْ الْجَسَدِ بِوَضْعِهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ) كَذَا الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَلِفَ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حَقُّهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ اشْتَرَى شَيْئًا فَغَابَ) يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُجِيبُ الْحَاكِمُ الْبَائِعَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَبِيعِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ) فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ بَلْ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ فَبَعْدَ انْكِشَافِهِ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِ إقْرَارِ الْبَائِعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمِ الْحَاضِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>