للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَدَّقْتُ عَلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ (أَوْ وَهَبَ لِفَقِيرٍ) أَيْ قَالَ لَهُ وَهَبْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ (لَا يَرْجِعُ) اعْتِبَارًا لِلَّفْظِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْمَعْنَى فِي الثَّانِيَةِ كَذَا فِي الْكَافِي

(فَصْلٌ) -

(وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ) فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (شَيْئًا مِنْهَا صَحَّتْ) أَيْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ» كَمَا سَيَأْتِي (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُعْمَلُ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هِبَةَ الْحَمْلِ لَا تَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا.

(وَ) بَطَلَ (الشَّرْطُ) لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا، فَإِذَا اعْتَبَرَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ تَقَيَّدَتْ بِهَا وَهُوَ يُنَافِي الْإِطْلَاقَ وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَوْ يُعَوِّضُهُ شَيْئًا مِنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إمَّا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَقُولُ نَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَمَا عَرَفْت مِنْ الْمَبَاحِثِ السَّابِقَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْحَالُ فِي الصَّدَقَةِ (أَعْتَقَ حَمْلَهَا وَوَهَبَهَا صَحَّتْ) الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ (بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ) يَعْنِي دَبَّرَ حَمْلَهَا وَوَهَبَهَا لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ -

(لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِشَرْطٍ إلَّا بِكَائِنٍ) أَيْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ (فَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (بَطَلَ) أَيْ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ مَحْضٍ (وَلَوْ قَالَ) لِمَدْيُونِهِ (إنْ كَانَ لِي عَلَيْكَ دَيْنٌ أَبْرَأْتُكَ عَنْهُ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ) الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا -

(جَازَ الْعُمْرَى لَا الرُّقْبَى) الْعُمْرَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِآخَرَ مُدَّةَ عُمُرِهِ، وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ وَهُوَ مِنْ الِارْتِقَابِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَوْتَهُ فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِحُّ الرُّقْبَى أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، وَاشْتِرَاطِ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا -

(كِتَابُ الْإِجَارَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ شَرَعَ فِي مَبَاحِثِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ فَقَالَ (هِيَ) لُغَةً فِعَالَةٌ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَضَرَبَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُعْطَى مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِعِوَضٍ) ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ) أَقُولُ اعْتِرَاضُهُ عَلَى الْكَنْزِ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ عَنْ التَّكْرَارِ بِقَوْلِهِ قُلْت لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا وَلَا يَكُونُ عِوَضًا لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضِهِ شَيْئًا مِنْهَا فَصَرِيحٌ بِالْعِوَضِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ اهـ فَبِهَذَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَقَامَتْ عِبَارَةُ الْكَنْزِ

(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ بِشَرْطٍ إلَّا بِكَائِنٍ إلَخْ) .

أَقُولُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْمُرَادُ بِالْكَائِنِ الْحَالُ وَالْمَاضِي لَا مَا سَيَكُونُ

[أَحْكَام الْعُمْرَى]

(قَوْلُهُ الْعُمْرَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِآخَرَ مُدَّةَ عُمُرِهِ وَإِذَا مَاتَ يَرُدُّ عَلَيْهِ. . . إلَخْ)

قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهِيَ هِبَةُ شَيْءٍ مُدَّةَ عُمُرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْوَاهِبِ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ اهـ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةَ عُمُرِهِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى الْوَاهِبِ أَيْضًا

[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

(كِتَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِعِوَضٍ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الصَّحِيحَةُ الَّتِي عَرَّفَهَا أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَالْفَاسِدَةُ ضِدُّ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ فَسَدَتْ بِشَرْطٍ مُقَارِنٍ أَوْ شُيُوعٍ أَصْلِيٍّ فَدَعْوَاهُ شُمُولَ تَعْرِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ وَيَرُدُّ مَا عَدَلَ إلَيْهِ مَبْدَأُ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَمْلِيكُ نَفْعٍ إذْ لَا تَمْلِيكَ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ وَلُزُومُ تَقْيِيدِ النَّفْعِ بِالْمَعْلُومِ فِي قَوْلِهِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ إذْ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ ذَاتًا وَوَصْفًا وَقَدْرًا وَقَدْ قَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ وَبَطَلَ تَرْدِيدُهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا الْحَقِيقَةَ الْخَاصَّةَ الشَّرْعِيَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ بِهِ الْمُنَازَعَةُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَالْعَمَلِ وَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الْبَدَلِ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ مَنَعَتْ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ وَكَانَ الْعَقْدُ عَبَثًا اهـ فَبِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ وَمَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِالصَّحِيحَةِ لِقَصْدِ تَسْلِيمِ الْمُشَاعِ الْأَصْلِيِّ وَعَدَمُ عِلْمِ الْبَدَلِ فَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ وَكَانَ عَبَثًا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>