للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ (وَأَمَّا مُؤَنُ رَدِّهِ أَوْ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِهِ فَتَنْقَسِمُ إلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ) يَعْنِي أَنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ، وَكَذَا مُؤْنَةُ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمُدَاوَاةِ الْجُرُوحِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَتَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَذَا مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى الرَّاهِنِ خَرَاجُ الرَّهْنِ وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ وَإِصْلَاحُ مَنَافِعِهِ) كَنَفَقَةِ الرَّهْنِ وَكِسْوَتِهِ وَأَجْرِ رَاعِيه وَظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى بَقَائِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إمَّا خَاصَّةً أَوْ بِالتَّقْسِيمِ كَمَا مَرَّ، (وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فَأَدَاءُ الْآخَرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَكَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ.

(بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا) (صَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ) يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ، (فَلَوْ رُهِنَتْ) الْمَذْكُورَاتُ (بِخِلَافِ جِنْسِهَا) فَهَلَكَتْ (هَلَكَتْ بِقِيمَتِهَا) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ) رُهِنَتْ (بِجِنْسِهَا) فَهَلَكَتْ (هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ) ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ أَوْ الْكَيْلُ (بِلَا عِبْرَةٍ لِلْجَوْدَةِ، وَ) لَا (الْقِيمَةِ) فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ وَزْنِيًّا وَالرَّهْنَ أَيْضًا كَذَلِكَ فَهَلَكَ، فَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ زَائِدًا سَقَطَ قَدْرُ الرَّهْنِ مِنْهُ وَبَقِيَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ عُكِسَ سَقَطَ قَدْرُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ (رَهْنُ مَشَاعٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَمَا عَرَفْت ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشَاعٌ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَهَنَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

(وَثَمَرٌ عَلَى شَجَرٍ دُونَهُ) أَيْ دُونَ الشَّجَرِ (وَزَرْعُ أَرْضٍ أَوْ نَخْلُهَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ (كَذَا الْعَكْسُ) وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ لَا النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ.

(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (رَهْنُ حُرٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَخَمْرٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُ (وَلَا يَصِحُّ ارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ، وَاللَّامُ فِي (لِلْمُسْلِمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَهْنُ حُرٍّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ يَكُونُ مَا أَنْفَقَهُ دَيْنًا يَرْجِعُ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا اهـ.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ]

(بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا) (قَوْلُهُ وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ) أَقُولُ يَعْنِي عَلَيْهِ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَشَاعٍ) أَقُولُ نَفْيُ الصِّحَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلْبُطْلَانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلًا وَفِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ فَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ فِي الْبَيْعِ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ كَالْفَاسِدِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ يَكُونُ مَالًا مَضْمُونًا وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، ثُمَّ قَالَ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ.

(قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَالطَّارِئُ وَذَكَرَ التَّصْحِيحُ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ أَوْ نَخْلِهَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ لَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الْأَرْضِ بَلْ قَدْرُ مَوْضِعِ الشَّجَرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا لَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ، وَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةُ مُجَاوَرَةَ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ (قَوْلُهُ كَذَا الْعَكْسُ. . . إلَخْ) يَعْنِي بِأَنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ رَهْنِ الْمَنْفِيِّ، أَمَّا لَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ وَسَكَتَ عَنْ النَّخِيلِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالرُّطَبَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِهَا يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>