للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ، وَلَهُ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلَحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ أَيْضًا فَصَارَتْ (كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي (حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ) حَلَّ (رِبَاطَ دَابَّتِهِ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا) أَيْ الدَّابَّةِ، (أَوْ) فَتَحَ (قَفَصَ طَائِرِهِ) فَذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ (أَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ بِمَنْ يُؤْذِيهِ، وَلَا يُدْفَعُ إيذَاؤُهُ بِلَا رَفْعٍ إلَيْهِ أَوْ) سَعَى إلَيْهِ (بِمَنْ يَفْسُقُ، وَلَا يَمْتَنِعُ) عَنْ الْفِسْقِ (بِنَهْيِهِ) أَيْ نَهْيِ السَّاعِي (أَوْ قَالَ عِنْدَ سُلْطَانٍ قَدْ يَغْرَمُ، وَقَدْ لَا) يَغْرَمُ مَقُولُ الْقَوْلِ قَوْلُهُ (إنَّهُ وَجَدَ مَالًا فَغَرِمَهُ لَا يَضْمَنُ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِانْتِفَاءِ التَّسَبُّبِ وَتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ (وَلَوْ غَرِمَ قَطْعًا يَضْمَنُ) لِوُجُودِ التَّسَبُّبِ، (كَذَا) أَيْ يَضْمَنُ السَّاعِي (لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) زَجْرًا لَهُ عَنْ السِّعَايَةِ بِهِ يُفْتَى، (أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ) أَيْ أَبَقَ أَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ (وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْآمِرِ (قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ الْقَتْلِ صَارَ غَاصِبًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ أَمَّا بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا مَالَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ قَائِمٌ لَمْ يَهْلِكْ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، (اسْتَعْمَلَ عَبْدًا لِغَيْرِ نَفْسِهِ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ ارْتَقِ هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَوْ اُنْثُرْ الثَّمَرَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ وَأَنَا، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ) ذَلِكَ الْعَبْدُ (إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَنْفَعَتِهِ (وَلَوْ) اسْتَعْمَلَهُ (لِغَيْرِهِ) كَأَنْ يَقُولَ ارْتَقِ الشَّجَرَةَ وَانْثُرْ الثَّمَرَةَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ (لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِ الْغَصْبِ ظَاهِرٌ (وَهُوَ) لُغَةً حَمْلُ الْفَاعِلِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، وَشَرْعًا (حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ) أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ (بِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْلِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْعُضْوِ وَالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَالْقَيْدِ، (يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ) أَيْ رِضَا الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (لَا اخْتِيَارُهُ) أَيْ لَا يُعْدَمُ اخْتِيَارُهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ مَا يُعْدَمُ الرِّضَا (قَدْ يُفْسِدُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارُ، (وَقَدْ) لَا أَيْ لَا يُفْسِدُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ، وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُفْسِدُهُ، أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ هُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضَاهُ أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَى الْقَسْمِ وَالْقَسِيمِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَمَا قَالَ فِيهِ ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُفَوِّتًا لِلرِّضَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ) تَشْبِيهٌ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حَلَّ قَيْدُ عَبْدٍ. . . إلَخْ)

قَالَ فِي النَّظْمِ لَوْ زَادَ عَلَى مَا فَعَلَ بِأَنْ فَتَحَ الْقَفَصَ، وَقَالَ لِلطَّيْرِ كِشْ كِشْ أَوْ بَابَ إصْطَبْلٍ فَقَالَ لِلْبَقَرِ هِشْ هِشْ أَوْ لِلْحِمَارِ هِرْ هِرْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ شَقَّ الزِّقَّ وَالدُّهْنُ سَائِلٌ، أَوْ قَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَ الْقِنْدِيلُ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ) أَيْ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْفَتْحِ أَمَّا لَوْ زَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لَهُ اتْلَفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ) كَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ إذْ بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِرْ غَاصِبًا لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا لِقِنِّهِ وَهُوَ لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنَّمَا الْمُتْلَفُ مَالُ الْمَوْلَى بِفِعْلِ قِنِّهِ أَقُولُ فِي فَصْلِ مَسْأَلَةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ لَوْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ رَجُلٍ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى آمِرِهِ إذْ الْآمِرُ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلْقِنِّ فَصَارَ غَاصِبًا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقِنِّ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ فِي إتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِ غَيْرِ الْمَوْلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْآمِرَ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَمَوْلًى، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّةَ هُوَ الضَّمَانُ الِابْتِدَائِيُّ الَّذِي بِطَرِيقِ الْإِكْرَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

[أَنْوَاع الْإِكْرَاه]

(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>