للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ (وَنَذْرِهِ) ، فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَامِلِ بِمَا لَزِمَهُ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا (وَيَمِينِهِ وَظِهَارِهِ) حَيْثُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ (وَرَجْعَتِهِ وَإِيلَائِهِ وَفَيْئِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَقُولَ: فِئْت إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَمَّا صَحَّتْ مَعَ الْهَزْلِ صَحَّتْ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَيْضًا وَإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلِمًا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الرُّكْنَيْنِ قَطْعًا، وَفِي الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا (بِلَا قَتْلٍ لَوْ رَجَعَ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ بِالْإِكْرَاهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَا يُقْتَلُ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، (وَلَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ) لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ يَصِيرُ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَالْإِكْرَاهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ (فَلَا تَبِينُ عُرْسُهُ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ.

(صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ مَالًا بِالْإِكْرَاهِ (وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ) أَيْ لَمْ يَقُلْ بِعْ مَالَك وَأَعْطِنِي ثَمَنَهُ (فَبَاعَهُ صَحَّ) أَيْ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ (إنْ قَدَرَ) أَيْ الزَّوْجُ (عَلَى الضَّرْبِ) لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ.

كِتَابُ الْحَجْرِ (هُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا (مَنْعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَسِرُّهُ أَنَّ أَثَرَ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بَلْ أَمْرٌ يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ عَدَمُهُ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ الصَّادِرِ عَنْ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا خَارِجِيًّا لَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ كَالْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَإِلَّا كَانَ سَفْسَطَةً (وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَفِعْلُهُ نَاقِصٌ، فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجُنُونُ) فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ (وَالرِّقُّ) فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا تَبْطُلَ مَنَافِعُ عَبْدِهِ بِإِيجَارِهِ نَفْسَهُ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ لَكِنَّ الْمَوْلَى إذَا رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ (فَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ) أَمَّا الْمَجْنُونُ فَلِعَدَمِ عَقْلِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَغَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ بِاعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ، (وَ) لَمْ يَصِحَّ (إعْتَاقُهُمَا) لِتَمَحُّضِهِ فِي الضَّرَرِ (وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَنَذْرِهِ) كَذَا كُلُّ مَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوٍ وَهَدْيٍ إذَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَظِهَارِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَكَفَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَفَعَلَ عَتَقَ وَعَلَى الْمُكْرِهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أُبْرِيهِ عَنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِيَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ اهـ.

وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا يَعْنِي الْمُعَيَّنَ مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دَوْمُ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَرَجْعَتِهِ) يَعْنِي عَلَى إنْشَائِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَإِيلَائِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَانَتْ بِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا مُطْلَقًا أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفَيْئِهِ فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ مِثْلُ الرَّجْعَةِ إنْشَاءً وَإِقْرَارًا

[كِتَابُ الْحَجْرِ]

(كِتَابُ الْحَجْرِ) (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالرِّقُّ) هَذِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأُلْحِقَ بِهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَى الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَهَذَا أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقَصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ) فِي إطْلَاقِ تَشْبِيهِ أَفْعَالِهِ بِأَفْعَالِ الصَّبِيِّ تَأَمَّلْ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ إفَاقَتِهِ وَأَمَّا تَصَرُّفٌ وُجِدَ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ فَهُوَ فِيهِ كَالْعَاقِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ. . . إلَخْ) حُكْمُهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ) لَعَلَّهُ ثَنَّى الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْإِفْرَادُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>