للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلْكُ الْغَيْرِ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْيَقِينِ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ فَإِذَا تَعَسَّرَ ذَلِكَ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ»

(فَإِنْ فَسَّرَ) أَيْ الشَّاهِدُ (لِلْقَاضِي شَهَادَتَهُ بِالتَّسَامُعِ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ) فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ (بَطَلَتْ) فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ وَقَعَ فِي قَلْبِ الْقَاضِي صِدْقُهُ فَتَكُونُ شَهَادَةً مِنْهُ عَنْ عِلْمٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا فَسَّرَ وَقَالَ سَمِعْتُ كَذَا وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَرَاسِيلُ مِنْ الْأَخْبَارِ أَقْوَى مِنْ الْمَسَانِيدِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ (إلَّا فِي الْوَقْفِ) فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا فَسَّرَا شَهَادَتَهُمَا بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ (دَفْنَ زَيْدٍ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ) حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي يَقْبَلُهُ إذْ لَا يُدْفَنُ إلَّا الْمَيِّتُ وَلَا يُصَلَّى إلَّا عَلَيْهِ

(الشَّهَادَةُ بِالْإِيجَابِ شَهَادَةٌ بِالْقَبُولِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ) كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا (حَتَّى لَوْ شَهِدُوا عَلَى تَزْوِيجِ الْأَبِ فَقَطْ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ (تُقْبَلُ) أَيْ الشَّهَادَةُ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ) حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْهِبَةِ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

[بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فِي الشَّهَادَات]

(بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ)

(تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ مُعْتَقَدُهُمْ مُعْتَقَدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْمُعَطِّلَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) هُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَيَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ

. (وَ) تُقْبَلُ مِنْ (الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) وَإِنْ اخْتَلَفَا (مِلَّةً) كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى.

(وَ) تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ (بِلَا عَكْسٍ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ.

(وَ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ (عَلَى مِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ دَارُهُمَا) وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الْمُنْعِتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا.

(وَ) تُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ (عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ الدِّينِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ

. (وَ) تُقْبَلُ أَيْضًا (مِنْ مُلِمِّ) أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ (صَغِيرَةٍ)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

نَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ الْيَقِينُ لِمَا عُرِفَ فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ كَوْنَ الْيَدِ مُسَوِّغًا بِسَبَبِ إفَادَتِهَا ظَنَّ الْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْقَلْبِ ذَلِكَ لَا ظَنَّ فَلَمْ يُفِدْ مُجَرَّدَ الْيَدِ وَلِهَذَا قَالُوا إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَعُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَكْفِي. اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ فَسَّرَ. . . إلَخْ) بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ شَهِدَا بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَقَالَا سَمِعْنَاهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ وَقِيلَ تُقْبَلُ وَفِي عِدَّةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَا يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِهِ مَنْ شَهِدَ بِمَوْتِهِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ قِيلَ يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي عِدَّةٍ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ كَمَنْ رَأَى عَيْنًا بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِ ذِي الْيَدِ وَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ. اهـ.

(بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ)

(قَوْلُهُ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ لَا لِخُصُوصِ بِدْعَتِهِمْ وَكَذَا لَا يَقْبَلُ مِمَّنْ تُكَفِّرُهُ بِدْعَتُهُ وَالْخَطَّابِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْذَعِ وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيُّ الْأَجْذَعُ خَرَجَ بِالْكُوفَةِ أَبُو الْخَطَّابِ وَحَارَبَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إلَى جَعْفَرٍ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ جَعْفَرٌ وَدَعَا عَلَيْهِ فَقُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ عِيسَى بِالْكَنَائِسِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةً لِشِيعَتِهِمْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُمْ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ. . . إلَخْ) عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَرْبِيِّ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ الْكَمَالَ أَوَّلَ بِهِ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ شَهَادَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَا نَفْيُ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا) كَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ قَبِلَ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالشَّهَادَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي الْإِرْثِ وَالْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ مُلِمٍّ أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَأْتِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>