للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ نَهْيًا (كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَعَلَى قَضَاءِ أَبِيهِ فِي الصَّحِيحِ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ مِنْ الْخَانِيَّةِ

(مَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا أَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ مَوْتِهِ فَجَاءَ حَيًّا أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (عُزِّرَ بِالتَّشْهِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي أَعْلَمُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اتَّصَلَ ضَرَرُهَا بِالْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ زَجْرًا لَهُ وَتَنْكِيلًا إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعْزِيرُهُ تَشْهِيرُهُ فَقَطْ وَقَالَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ فَيَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي أَجْمَعِ مَا كَانُوا وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمِثْلُ هَذَا التَّشْهِيرِ لَا يَخْفَى عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ

(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

(هُوَ أَنْ يَقُولَ كُنْت مُبْطِلًا فِيهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (وَنَحْوَهُ) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْتُ بِهِ أَوْ شَهِدْتُ بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْتُ (فَلَا يَكُونُ إنْكَارُهَا رُجُوعًا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا (لَا يَصِحُّ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْهَا (إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ جِنَايَةٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُحَلِّفُهُمَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالْيَمِينَ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي بَاطِلَةٌ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

فِي اللَّقَبِ مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا. اهـ.

(قَوْلُهُ كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ. . . إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ اهـ.

وَلَمْ يُعَلِّلْهُ قَاضِي خَانْ

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي اعْلَمْ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ.

وَفِي الْبُرْهَانِ يُرْجَعُ فِي ظُهُورِ تَوْبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ إذْ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ تَعَرُّفُ حَالِهِ فِي التَّوْبَةِ إلَيْهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُقَدَّرُ بِعَامٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ بِنِصْفِ عَامٍ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا. . . إلَخْ) بَقِيَ مِنْ تَمَامِ عِبَارَةِ الْكَافِي فَكَانَ هَذَا مِنْهُ احْتِجَاجًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا تَقْلِيدِ شُرَيْحٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ انْتَهَى

[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

(قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ. . . إلَخْ) كَذَا جَعَلَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَجْهًا لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ التَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَتُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَتَخْتَصُّ التَّوْبَةُ بِمَحَلِّهِ وَلَمَّا أَنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بَيَّنُوا لَهُ مُلَازَمَةً شَرْعِيَّةً بِحَدِيثِ «مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ أَوْصِنِي فَقَالَ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ إلَى أَنْ قَالَ إذَا عَمِلْتَ سُوءًا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ» اهـ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِعْلَامِ عَلَى مَحَلِّ الذَّنْبِ بِخُصُوصِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَلْ فِي مِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ عَلَانِيَةٌ وَهُوَ إذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ الرُّجُوعُ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَيْفَ لَا يَكُونُ مُعْلِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي فُلَانٍ وَضَمِنَهُ الْمَالَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) قَيَّدَ إطْلَاقَ مَتْنِهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ تَضْمِينُ الْقَاضِي مَنْ رَجَعَ عِنْدَهُ الْمَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>