للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى نُفُوسِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلضَّرُورَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى أَنَّ الْقَاضِيَ أَمِينٌ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَطَاعَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَادِلًا يَجِبُ قَبُولُ قَوْله لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَعَدَمُ تُهْمَةِ الْخَطَأِ، وَالْخِيَانَةِ.

(وَصُدِّقَ عَدْلٌ جَاهِلٌ سُئِلَ فَأَحْسَنَ تَفْسِيرَهُ) بِأَنْ يَقُولَ فِي الزِّنَا إنِّي اسْتَفْسَرْت الْمُقِرَّ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَيَقُولُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي الْقِصَاص: إنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ.

(وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ جَاهِلٌ عَادِلٌ وَعَالِمٌ فَاسِقٌ لِتُهْمَةِ الْخَطَأ بِالْجَهْلِ، وَالْخِيَانَةِ بِالْفِسْقِ (إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ) يَعْنِي سَبَبًا شَرْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ قَوْلَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

(صُدِّقَ مَعْزُولٌ قَالَ لِزَيْدٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا قَضَيْت بِهِ لِبَكْرٍ وَدَفَعْت إلَيْهِ، أَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ وَادَّعَى زَيْدٌ أَخْذَهُ وَقَطَعَهُ ظُلْمًا وَأَقَرَّ) أَيْ زَيْدٌ (بِكَوْنِهِمَا فِي قَضَائِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ قَاضٍ مَعْزُولٌ لِرَجُلِ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ وَقَضَيْت بِهِ لَهُ عَلَيْك، فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْت ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك بِحَقٍّ، وَقَالَ: فَعَلْته ظُلْمًا فَالْقَاضِي يُصَدَّقُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ أَوْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ حَالَ قَضَائِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ صَارَ مُقِرًّا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِلَا يَمِينٍ إذْ لَوْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ صَارَ خَصْمًا وَقَضَاءُ الْخَصْمِ لَا يَنْفُذُ وَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ، وَقَالَ فَعَلْته قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا مَعْهُودَةٌ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا

[كِتَابُ الْقِسْمَةِ]

[أَرْكَان الْقِسْمَة]

(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَكِتَابِ الْقِسْمَةِ (هِيَ) لُغَةً: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْرَةِ لِلِاقْتِدَاءِ، وَشَرْعًا: (تَمْيِيزٌ بَيْنَ الْحُقُوقِ الشَّائِعَةِ) بَيْنَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ (وَرُكْنُهَا فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ) بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ كَالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ، وَالْعَدَدِ، وَالذَّرْعِ فِي الْكَيْلِيِّ، وَالْوَزْنِيِّ، وَالْعَدَدِيِّ، وَالذَّرْعِيِّ.

(وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَحَدِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِحِصَّتِهِ) حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الطَّلَبُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ.

[شُرُوط الْقِسْمَة]

(وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ) فَإِنَّهَا إفْرَازٌ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَبِلَ الْقِسْمَةَ مِنْ الْمِلْكِ، وَالْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إذَا بَقِيَ الْمُفْرَزُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ بِأَصْلِهِ وَمَنَافِعِهِ وَأَمَّا إذَا تَبَدَّلَ فَيَكُونُ تَبْدِيلًا لَا إفْرَازًا.

(وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا (وَلَا تُعْرَى مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْ الْقِيَمِيَّاتِ (عَنْ مَعْنَى إفْرَازٍ هُوَ أَخْذُ عَيْنِ حَقِّهِ، وَ) مَعْنَى (مُبَادَلَةٍ هِيَ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَقِّهِ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ إفْرَازًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَصَارَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) جَوَابٌ عَمَّا ذُكِرَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي أَمْرِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ. . . إلَخْ) هَذَا.

وَفِي الذَّخِيرَةِ الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ عَالِمٌ عَادِلٌ وَعَالَمٌ جَائِرٌ وَجَاهِلٌ عَادِلٌ وَجَاهِلٌ جَائِرٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَالثَّالِث مُفَسَّرًا لَا مُجْمَلًا لَا الثَّانِي، وَالرَّابِعُ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

كِتَاب الْقِسْمَة

(قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا فِعْلٌ) قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقُولُ فِي جَعْلِ الرُّكْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْأَنْصِبَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ تَأَمَّلْ

[سَبَبُ الْقِسْمَة]

(قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِهَا بِطَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ حَائِطٌ وَحَمَّامٌ وَنَحْوُهُمَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>