للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُلِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ فَقَدْ قِيلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيه لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي.

(ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ) حَتَّى إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ تَكُنْ قِسْمَتُهُ إبْرَاءً مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُصَادِقُ الصُّورَةَ وَحَقُّ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى (وَلَوْ) ادَّعَى (عَيْنًا لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ.

(وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ) وَهِيَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا، وَهِيَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ رَضِيَ بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَارَهَا، وَشَرْعًا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ (فِي سُكُونِ هَذَا بَعْضًا مِنْ دَارٍ وَذَاكَ بَعْضًا وَ) سُكُونِ (هَذَا عُلْوَهَا وَذَاكَ سُفْلَهَا، وَ) فِي (خِدْمَةِ عَبْدٍ) بِأَنْ يَخْدُمَ الْعَبْدُ (هَذَا) الشَّرِيكَ (يَوْمًا وَذَاكَ) الشَّرِيكَ (يَوْمًا كَسُكْنَى بَيْتٍ صَغِيرٍ) بِأَنْ يَسْكُنَهُ هَذَا الشَّرِيكُ يَوْمًا وَذَاكَ يَوْمًا.

(وَ) خِدْمَةِ (عَبْدَيْنِ) بِأَنْ يَخْدِمَ (زَيْدًا هَذَا) الْعَبْدُ.

(وَ) يَخْدِمَ (بَكْرًا) الْعَبْدُ (الْآخَرُ) إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ، وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ، وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ كَالْعَبْدِ.

(لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ) غَلَّةِ (بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إمَّا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا فِي عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا فِي رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ فَلَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ وَنَحْوِهِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ مُخْتَصٌّ بِالْمَنَافِعِ وَلَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَالضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَنَافِعِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ

(كِتَابُ الْوَصَايَا)

وَجْهُ إيرَادِ هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةُ وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِكِتَابِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُوصَى بِهِ، وَالْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ تَارَةً بِاللَّامِ يُقَالُ: أَوْصَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا بِمَعْنَى مَلَّكَهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ) عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا لَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ. اهـ.

[أَحْكَام الْمُهَايَأَة]

(قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَجْرِي فِيهَا جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي قَسْمِ الْأَعْيَانِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: ١٥٥] الْآيَةَ.

وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ» كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَخِدْمَةُ عَبْدَيْنِ) كَذَا يَصِحُّ فِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) هُوَ الْأَوْجَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ) وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلِذَلِكَ إذَا تَهَايَآ فِي دَارٍ فَزَادَتْ غَلَّةُ الدَّارِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ

(قَوْلُهُ: لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالتَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَفِي الْعَبْدَيْنِ، وَالْبَغْلَيْنِ اخْتِلَافٌ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَغَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>