للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا) إنْ بَنَى بِنَاءً وَلَوْ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ (أَذِنْت فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْجِدًا، وَإِنْ صَلَّى فِيهِ وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ بِمَوَاتٍ فَيَصِيرَ مَسْجِدًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ يُغْنِي عَنْ الْقَوْلِ أَيْ فِيمَا بَنَى فِي مَوَاتٍ قَالَ السُّبْكِيُّ الْمَوَاتُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلَّفْظِ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ذَلِكَ إجْرَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهِمَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَدُلُّ لَهُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَذِنْت فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَارَ بِذَلِكَ مَسْجِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

(فَصْلٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ لَا) عَلَى (جِهَةٍ عَامَّةٍ وَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَرِبَاطٍ (اُشْتُرِطَ قَبُولٌ) لِلْوَقْفِ (مُتَّصِلٌ) بِالْإِيجَابِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، كَائِنٌ (مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَآخَرِينَ وَمُقَابِلُهُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَزُولُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ يَعْنِي يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَمَا بَعْدَهُ (فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عَدَمُ رَدِّهِمْ) لَا قَبُولُهُمْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَا يَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ الْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي؛ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِمْ الْوَقْفَ فَإِنْ قُلْنَا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِالْإِيجَابِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَوْ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَلَا كَالْمِيرَاثِ قَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ، وَإِنْ شَرَطْنَا قَبُولَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ) الْوَقْفُ قَطْعًا كَالْوَصِيَّةِ، وَالْوَكَالَةِ فَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ يَعُودُ لَهُ إنْ رَجَعَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ مَرْدُودٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَجْعَلُوا الْحَاكِمَ نَائِبًا فِي الْقَبُولِ كَمَا جَعَلُوهُ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَالْأَمْوَالِ وَلَوْ صَارُوا إلَيْهِ لَكَانَ قَرِيبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ نِيَابَةٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالْحِفْظِ وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَلَى أَهْلِ الرُّشْدِ فِيهِ وَهُنَا فِي التَّمَلُّكِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ وَبِأَنَّ اسْتِيفَاءَ مَا ذُكِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبَاشِرٍ فَلِذَلِكَ جُعِلَ نَائِبًا فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا (وَقَوْلُهُ جَعَلْته لِلْمَسْجِدِ كِنَايَةُ تَمْلِيكٍ) لَا وَقْفٍ، وَلَفْظُ " كِنَايَةُ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ (فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْقَيِّمِ وَقَبْضُهُ) كَمَا لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِصَبِيٍّ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَوْقُوفِ.

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ (أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ) كَأَوْلَادِ زَيْدٍ (ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ) وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ، وَالْقَنَاطِرِ (كَالْفُقَرَاءِ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ) أَيْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَهِيَ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ قَوْلًا أَنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ الْآلَةُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ وَقَبْضِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ لَا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ]

(قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ قَبُولٌ) لِأَنَّهُ يَبْعُدُ دُخُولُ عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا فَلَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْقَبُولِ لِلصِّغَرِ، أَوْ الْجُنُونِ قَبِلَ وَلِيُّهُ وَإِنْ وَقَفَ هُوَ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ الْأَبَ، أَوْ الْجَدَّ فَالْحُكْمُ فِي الْقَبُولِ كَالْحُكْمِ فِي قَبُولِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فَلَوْ بَلَغَ بَعْدَ قَبُولِ الْوَلِيِّ وَرَدَّ لَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنِهِ الْحَائِزِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَنَظَائِرُهَا فَإِنَّ كَلَامَهُمْ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنِهِ الدَّارَ وَهِيَ قَدْرُ الثُّلُثِ لَزِمَ الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَنْفِيذِهِ وَإِجَازَتِهِ وَإِذَا رَدَّ الْوَقْفَ لَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا. اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ كَالْأَرْشَدِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْقَبُولُ قَطْعًا كَالْجِهَةِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ.

قَالَ فِي التَّوَسُّطِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ " فَلَوْ وَقَفْت " بِحَذْفِ لَفْظَة " قَالَ " وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ) وَأَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَجَّحَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلَقِّي مِنْ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوَّلًا وَقَدْ تَمَّ الْوَقْفُ أَوَّلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولٍ ثَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيَّةِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فُلَانٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ: كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَجِيبٌ، وَالْكَلَامُ مُلَفَّقٌ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يَرَوْنَ تَرْجِيحَ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَبُولِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ وَأَمَّا الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَجَزَمُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّ الرَّدَّ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>