للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ لِمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمُتَّهِبِ، سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ، أَوْ الْعِتْقِ) عَنْهُ فَأَكَلَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ أَمَرَ الْمُتَّهِبُ الْوَاهِبَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الِازْدِرَادِ، وَالْعِتْقِ (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْوَاهِبِ) لِلْمَوْهُوبِ (قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَ الْهِبَةِ) وَحُصُولَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ وَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ (وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ) وَلَوْ مَعَ الْمِلْكِ (إقْرَارًا بِالْقَبْضِ) لِلْمَوْهُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ، وَالْإِقْرَارُ يُحْمَلُ عَلَى الْيَقِينِ (إلَّا إنْ قَالَ وَهَبْته لَهُ وَخَرَجْت مِنْهُ إلَيْهِ) فَيَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَى نَفْسِهِ مَا يُشْعِرُ بِالْإِقْبَاضِ (وَهَذَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ، وَإِلَّا فَلَا) يَكُونُ إقْرَارًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ (وَقَوْلُهُ وَهَبْته لَهُ وَأَقْبَضْته) لَهُ (إقْرَارٌ بِالْجَمِيعِ) أَيْ بِالْهِبَةِ، وَالْقَبْضِ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْهِبَةِ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّوَابِ) (وَفِيهِ طَرَفَانِ: الْأَوَّلُ فِي الرُّجُوعِ وَيُكْرَهُ) لِلْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا (أَنْ يَهَبَ لِأَحَدِ وَلَدَاهُ أَكْثَرَ) مِنْ الْآخَرِ (وَلَوْ ذَكَرًا) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى الْعُقُوقِ وَفَارَقَ الْإِرْثَ بِأَنَّ الْوَارِثَ رَاضٍ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ بِخِلَافِ هَذَا وَبِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ، أَمَّا بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ، وَالْهِبَةُ لِلْأَوْلَادِ أُمِرَ بِهَا صِلَةً لِلرَّحِمِ نَعَمْ إنْ تَفَاوَتُوا حَاجَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَيْسَ فِي التَّفْضِيلِ وَالتَّخْصِيصِ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ، وَإِذَا ارْتَكَبَ التَّفْضِيلَ الْمَكْرُوهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرِينَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ وَلَوْ رَجَعَ جَازَ بَلْ حَكَى فِي الْبَحْرِ اسْتِحْبَابَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ جَوَازِهِ، أَوْ اسْتِحْبَابِهِ فِي الزَّائِدِ (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِمْ إنْ عَدَلَ) بَيْنَهُمْ (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ يَكُونُوا عَقَقَةً، أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُكْرَهُ رُجُوعُهُ فِيهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بَلْ الْقِيَاسُ فِي الثَّانِيَةِ اسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَأَمَّا الْعَاقُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ زَادَهُ الرُّجُوعُ عُقُوقًا كُرِهَ، أَوْ أَزَالَهُ اُسْتُحِبَّ، أَوْ لَمْ يَفِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا أُبِيحَ وَيَحْتَمِلُ اسْتِحْبَابَ عَدَمِهِ (وَالْعَدْلُ) فِي هِبَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ (أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ) كَعَكْسِهِ بَلْ أَوْلَى (فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ) أَوْلَى لِخَبَرِ «إنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ» قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِخْوَةَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَحْتَمِلُ طَرْدَهُ لِلْإِيحَاشِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْأَوْلَادِ عَدَمُ الْبِرِّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ.

(فَصْلٌ: لِلْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (لَا غَيْرِهِمْ) كَالْإِخْوَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَضَمِنَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ.

[فَرْعٌ لَيْسَ الْإِتْلَافُ مِنْ الْمُتَّهِبِ لِلْمَوْهُوبِ قَبْضًا]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ الْمِلْكِ) وَالْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَتْ مِنْهُ إلَيْهِ) أَوْ مَلَكَهُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَهَبْتُهُ لَهُ وَأَقْبَضْتُهُ لَهُ إقْرَارٌ بِالْجَمِيعِ) وَلَوْ قِيلَ لَهُ وَهَبْتَ لِفُلَانٍ وَأَقْبَضْتَهُ؟ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا بِهِمَا.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْهِبَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ]

[الطَّرَف الْأَوَّل فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْهِبَةِ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّوَابِ) (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَفَاوَتُوا حَاجَةً إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذَا فَضِيلَةٍ بِعِلْمٍ، أَوْ وَرَعٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّخْصِيصِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ فَهَلْ تُشْرَعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ، أَوْ يَخْتَصُّ بِهَا الْأَوْلَادُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَالِدُ الْحَافِدِ مَوْجُودًا، أَوْ مَيِّتًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْغَزِّيِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ وَالِدِي: وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَنَّ الثَّالِثَ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فس (قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ رُجُوعُهُ فِيهَا) أَيْ عَطِيَّتِهِمْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَصْلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَى الرُّجُوعِ لِنَفَقَةِ عِيَالٍ، أَوْ دَيْنٍ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا عَنْهَا وَإِلَّا نُظِرَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ بَارًّا كُرِهَ الرُّجُوعُ لِلْإِيحَاشِ وَكَسْرِ الْقَلْبِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهُ بِقَوْلٍ، أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ ظَاهِرَةٍ فَلَا وَإِنْ كَانَ عَاقًّا لَكِنَّهُ لَا يَصْرِفُ الْمَوْهُوبَ فِي الْمَعَاصِي وَلَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهَا أَنْذَرَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْعُقُوقِ كُرِهَ الرُّجُوعُ وَإِنْ أَصَرَّ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرُّجُوعَ يَزِيدُهُ عُقُوقًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الْمَوْهُوبَ فِي الْمَعَاصِي أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهَا كَسَيْفٍ يَقْطَعُ بِهِ الطَّرِيقَ، أَوْ فَرَسٍ يَرْكَبُهُ لِذَلِكَ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ عَنْ الْهِبَةِ لَانْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إلَى كَفِّهِ عَنْ الْمَعَاصِي وَهَذَا وَاضِحٌ وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ تَحْرِيمُ هِبَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الْمَعَاصِي لَا مَحَالَةَ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَقَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ.

[فَصْلٌ لِلْأَبِ وَسَائِرُ الْأُصُولِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ لِلْوَلَدِ]

(قَوْلُهُ: لِلْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ لَا غَيْرِهِمْ الرُّجُوعُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا يُرْجَعُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَغَيْرِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا الْوَاجِبَةُ فِي زَكَاةٍ أَوْ فِدْيَةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ تَطَوُّعًا وَهُوَ فَقِيرٌ، أَوْ غَنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِيَسْتَفِيدَ التَّصَرُّفَ وَهُوَ فِي مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ قَالَ قُلْته تَخْرِيجًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ قُلْت لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي التَّصَرُّفِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فَقَدْ يَتَصَرَّفُ بِالْأَكْلِ، أَوْ بِإِهْدَائِهِ أَوْ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ع قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ أَعْطَاهُ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ الزَّكَاةَ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ اهـ وَلَوْ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ هَلْ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالرُّجُوعِ كَالْهِبَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْإِعْطَاءِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا الْكَرَاهَةُ إلَّا إنْ وُجِدَ مُقْتَضٍ لَهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، كَاتِبُهُ.

(تَنْبِيهٌ) لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِوَلَدِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهَا لَهُ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ هَلْ يُصَدَّقُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ بِهِ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْهَرَوِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>