للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذ {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ ْكَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٤] (وَ) تَتَأَكَّدُ (كَرَاهَةُ خِلَافِهِ) أَيْ الْوَعْدِ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَلَمْ يَحْرُمْ إخْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ

[كِتَابُ اللُّقَطَةِ وَفِيهِ بَابَانِ]

(كِتَابُ اللُّقَطَةِ)

بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا، وَيُقَالُ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ، وَلَقَطٌ بِفَتْحِهِمَا بِلَا هَاءٍ وَهِيَ لُغَةً الشَّيْءُ الْمَلْقُوطُ وَيُقَالُ: اللُّقَطَةُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - اسْمٌ لِلْمُلْتَقِطِ - بِكَسْرِهَا - أَيْضًا، وَشَرْعًا مَا وُجِدَ مِنْ حَقٍّ ضَائِعٍ مُحْتَرَمٍ لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ: مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِ الضَّائِعِ بِأَنَّ الضَّائِعَ مَا يَكُونُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَالْمَوْجُودِ فِي مُودَعِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ، وَاللُّقَطَةَ مَا وُجِدَ ضَائِعًا بِغَيْرِ حِرْزٍ وَفِي الْفَرْقِ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَفِي الِالْتِقَاطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ، وَالْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا الْتَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا.

(وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ) الْتِقَاطٌ وَمُلْتَقِطٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَمُلْتَقَطٌ بِفَتْحِهَا (الْأَوَّلُ الِالْتِقَاطُ وَلَا يَجِبُ) - وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُ اللُّقَطَةِ وَأَمَانَةُ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ - (بَلْ يُكْرَهُ لِفَاسِقٍ) لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ (وَيُسْتَحَبُّ لِأَمِينٍ يَثِقُ بِنَفْسِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ (وَالْإِشْهَادُ) بِالِالْتِقَاطِ (مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا قَبِلَهَا وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ» بِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَيُشْهِدُ) مَعَ ذَلِكَ نَدْبًا (عَلَى بَعْضِ الصِّفَاتِ) أَيْ صِفَاتِ اللُّقَطَةِ لِيَكُونَ فِي الْإِشْهَادِ فَائِدَةٌ وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ كَاذِبٌ إلَيْهَا بَلْ يَصِفُهَا لِلشُّهُودِ بِأَوْصَافٍ تَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ بِهَا فَائِدَةٌ (وَ) مَعَ ذَلِكَ (لَا يَحْرُمُ اسْتِيعَابُهَا) بَلْ يُكْرَهُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ وَكَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ.

(الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُلْتَقِطُ، وَالْمُغَلَّبُ.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(كِتَابُ اللُّقَطَةِ) إنَّمَا ذُكِرَتْ بَعْدَ الْهِبَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَذَكَرَهَا فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ مِنْ الشَّارِعِ وَلَوْ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْقَرْضِ كَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَهُ وَالشَّرْعُ أَقْرَضَهُ لِلْمُلْتَقِطِ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ) هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَرُوَاةُ الْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لُقَاطَةٌ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ

لُقَاطَةٌ وَلُقْطَةٌ وَلُقَطَهْ ... وَلَقْطُ مَا لَاقِطٌ قَدْ لَقَطَهْ

(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا مَا وُجِدَ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ (قَوْلُهُ: مِنْ حَقٍّ ضَائِعٍ إلَخْ) شَمِلَ وَلَدَ اللُّقَطَةِ وَمَا ضَاعَ مِنْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ، أَوْ أَجِيرٍ، أَوْ غَاصِبٍ أَوْ نَحْوِهِمْ وَمَا لَوْ وَجَدَ مَالًا إسْلَامِيًّا مَدْفُونًا وَكَتَبَ أَيْضًا عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ مَالٍ أَوْ مُخْتَصٍّ ضَائِعٍ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ لِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ بِقُوَّةٍ وَلَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ (قَوْلُهُ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا» ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَتَجِبُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَشَأْنَكَ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ) عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَخْذُهَا فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُهَا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بَلْ الْوُجُوبُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِهَا وَمِثْلُهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي أَخْذِهَا كَاحْتِيَاجِهَا إلَى عَلَفٍ، وَإِصْطَبْلٍ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا لَوْ تَرَكَهَا وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلَا النَّصَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إلَى الْجُمْهُورِ وَقَالَا لَا يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي أَخْذُهُ مِنْ إطْلَاقِ النَّصَّيْنِ وَتَصَرُّفِ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ: بَلْ الْوُجُوبُ هُنَا أَوْلَى إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ لَمَّا حَكَى الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ أَنْ يُتْلِفَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَحِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. اهـ. هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي اللُّقَطَةِ فس قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِتَأَتِّيهِ فِيهَا أَيْضًا بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تُحْفَظُ إلَّا بِهِ مَعَ وُجُودِ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ تَضِيعُ بِأَخْذِهِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، كَاتِبُهُ.

[الْبَابَ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِ اللَّقْطَة]

(قَوْلُهُ: وَتُسْتَحَبُّ لِأَمِينٍ يَثِقُ بِنَفْسِهِ) فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ لِمَا يُخَافُ مِنْ الْخِيَانَةِ وَصُورَتُهَا أَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَخَافُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ لَا تَسْتَمِرَّ أَمَانَتُهُ وَالْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَفْسَدَةَ عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ عَامَّةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ) وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، أَوْ كَسْبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْوَدِيعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ) لَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ جَازَ لِلْوَاجِدِ أَخْذُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرِّكَازِ (قَوْلُهُ: كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>