للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ ثُلُثَ الْمَالِ (بِيَوْمِ الْمَوْتِ) لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَمَلُّكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ (فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ كَثُرَ) أَوْ تَلِفَ ثُمَّ كَسَبَ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ثُمَّ كَسَبَهُ (لَزِمَهُ) يَعْنِي وَارِثَهُ (ثُلُثُهُ) وَلَوْ أَوْصَى بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَفِ بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ افْتَقَرَ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الزَّائِدِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَوَفَّى بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَيْهَا (وَلَا تُنَفَّذُ) الْوَصِيَّةُ (إلَّا فِي الثُّلُثِ الْفَاضِلِ عَنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ (فَإِنْ) كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَمْ تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ لَكِنْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا حَتَّى لَوْ (أُبْرِئَ) مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ قَضَاهُ) عَنْهُ (آخَرُ فَكَانَ لَا دَيْنَ) فَتُنَفَّذُ.

(فَرْعٌ: التَّبَرُّعَاتُ الْمُنَجَّزَةُ) كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَعِتْقٍ (فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَوْتِ) مُعْتَبَرَةٌ (مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ) لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَخَرَجَ بِالْمَرَضِ التَّبَرُّعَاتُ الْمُنَجَّزَةُ فِي الصِّحَّةِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، نَعَمْ لَوْ وَهَبَ شَيْئًا فِي صِحَّتِهِ وَأَقْبَضَهُ فِي مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تُمَلَّكُ بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ، وَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ مَا يَفُوتُ عَلَى الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ فِي الْمُنَجَّزِ، وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَةَ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةَ يَوْمِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَقَلُّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ، أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ جَارٍ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ.

(فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى) الشَّخْصُ (إلَى) حَالِ (الْقَطْعِ بِالْمَوْتِ) مِنْ ذَلِكَ (عَاجِلًا كَمَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ، أَيْ فَتْحِ عَيْنِهِ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ جَفْنٍ (وَبَلَغَتْ رُوحُهُ الْحَنْجَرَةَ) أَيْ الْحُلْقُومَ (فِي النَّزْعِ أَوْ ذُبِحَ أَوْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأَخْرَجَتْ حُشْوَتُهُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا، أَيْ: أَمْعَاؤُهُ (أَوْ غَرِقَ فَغَمَرَهُ الْمَاءُ وَهُوَ غَيْرُ سَابِحٍ) أَيْ غَيْرُ مُحْسِنِ السِّبَاحَةِ (فَلَا عِبْرَةَ) فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ نَحْوِهَا (بِوَصِيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ) وَغَيْرِهِمَا (فَهُوَ كَالْمَيِّتِ) عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَرِيضِ (فِي غَيْرِ الثُّلُثِ لِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا كَالْقُولَنْجِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ أَخْلَاطُ الطَّعَامِ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ فَلَا تَنْزِلُ وَيَصْعَدُ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى مِنْهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا (وَذَاتِ الْجَنْبِ) وَتُسَمَّى ذَاتَ الْخَاصِرَةِ، وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجَوْفِ وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْهَلَاكِ، وَمِنْ عَلَامَتِهَا الْحُمَّى اللَّازِمَةُ وَالْوَجَعُ النَّاحِسُ تَحْتَ الْأَضْلَاعِ وَضِيقُ النَّفَسِ وَتَوَاتُرُهُ وَالسُّعَالُ (وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْقُوَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ (وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ) أَيْ الْمُتَتَابِعِ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ (لَا إسْهَالِ يَوْمَيْنِ) أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ.

(إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ عَدَمُ اسْتِمْسَاكٍ وَخُرُوجُ طَعَامٍ غَيْرِ مُسْتَحِيلٍ أَوْ زَحِيرٌ مَعَهُ وَجَعٌ) وَشِدَّةٌ بِلَا تَقَطُّعٍ لِلْخَارِجِ (أَوْ) مَعَهُ (تَقَطُّعٌ) لِلْخَارِجِ (أَوْ) يُضَمُّ إلَيْهِ (دَمٌ) يَخْرُجُ (مِنْ نَحْوِ كَبِدٍ) مِنْ الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ (لَا مِنْ نَحْوِ بَوَاسِيرَ أَوْ) إلَّا أَنْ (يُعَجِّلَ وَيَمْنَعَ النَّوْمَ) فَمَخُوفٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُسْقِطُ الْقُوَّةَ بِخِلَافِ إسْهَالٍ يَخْرُجُ مَعَهُ دَمٌ مِنْ نَحْوِ بَوَاسِيرَ (وَكَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ) بِخِلَافِ دَوَامِهِ لَيْسَ مَخُوفًا سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ ارْتِعَاشٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا وَهُوَ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ: اسْتِرْخَاءُ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ. فَإِذَا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَأَهْلَكَ

(لَا السِّلِّ) بِكَسْرِ السِّينِ لَا بِفَتْحِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الرِّئَةَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَدَنُ فِي النُّقْصَانِ وَالِاصْفِرَارِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ (مُطْلَقًا) أَيْ لَا فِي ابْتِدَائِهِ وَلَا فِي انْتِهَائِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ صَاحِبُهُ غَالِبًا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا فَيَكُونُ كَالشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ (وَكَالْحُمَّى الشَّدِيدَةِ الْمُطْبِقَةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا، أَيْ الْمُلَازِمَةِ الَّتِي لَا تَبْرَحُ لِأَنَّ إطْبَاقَهَا يُذْهِبُ الْقُوَّةَ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْحَيَاةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهَا مَخُوفَةً إذَا زَادَتْ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. (أَوْ) حُمَّى (الْوَرْدِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ (أَوْ) حُمَّى (الثِّلْثِ) بِكَسْرِ الثَّاءِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا (أَوْ حُمَّى الْأَخَوَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ (أَوْ) حُمَّى (الْغِبِّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا (لَا) حُمَّى (الرِّبْعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُومَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ) وَالْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ يَوْمُ النَّذْرِ، رُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ اللُّزُومِ فَهُوَ نَظِيرُ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَعِتْقٍ) يُسْتَثْنَى مِنْ الْعِتْقِ عِتْقُ أُمِّ وَلَدِهِ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

(فَصْلٌ: بَيَانُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ إلَخْ) (قَوْلُهُ: وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْ التَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى إلَخْ) يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْقُولَنْجِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ سَمَّاهُ الْعَوَامُّ قُولِنْجَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مِنْهُ فَهُوَ مَرَضٌ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا وَإِنْ تَكَرَّرَ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِسْهَالُ الْمُتَوَاتِرُ) وَلَوْ لَحْظَةً (قَوْلُهُ: لَا إسْهَالُ يَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا) وَلَمْ يَتَوَاتَرْ (قَوْلُهُ: إلَّا السِّلَّ) قَالَ السَّبْتِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَسِيطِ: لَعَلَّ وَجَعَ الِاسْتِسْقَاءِ كَوَجَعِ السِّلِّ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ السِّينِ) أَوْ بِضَمِّهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لَا الرِّبْعِ) وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ الْمُثَلَّثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>