للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكُ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ وَكِيلًا أَوْ وَلِيَّ يَتِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطْعًا.

(وَفِيمَنْ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ) فِيهَا (وَجْهَانِ) : أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالرُّويَانِيُّ، وَالشَّاشِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الْمُخْتَار. قَالَ وَلِيَكُنْ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا مِنْهُ جَزْمًا.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَإلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَفِيهِ مَا مَرَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ إيدَاعُ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ فِيهِ، أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَزِبْلٍ وَكَلْبٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجُوزُ إيدَاعُهُ كَالْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَشَمِلَهُ قَوْلُ الْوَسِيطِ: الْوَدِيعَةُ كُلُّ مَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ الْحَافِظَةُ وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَالِ قَالَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا لَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ وَهَذَا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ كَالْمَالِ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَلَفِهِ كَالْمَالِ بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ يَصِحُّ إيدَاعُهُ وَيَجِبُ رَدَّهُ مَا دَامَ بَاقِيًا كَمَا فِي الْمَالِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ لَا يُضْمَنُ.

(فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ) لِلْإِيدَاعِ (الْإِيجَابُ) الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ لِلْإِيدَاعِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: الْعَاقِدَانِ، الْوَدِيعَةُ، وَالصِّيغَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ صِيغَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاسْتِحْفَاظِ (كَأَوْدَعْتُكَ) هَذَا الْمَالَ (وَاحْفَظْهُ وَنَحْوِهِ) كَاسْتَحْفَظْتُكَ وَأَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ (لِأَنَّهَا عَقْدٌ) كَالْوَكَالَةِ لَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ (وَلَوْ عَلَّقَهَا) كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُكَ هَذَا (فَكَالْوَكَالَةِ) فَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَسْقُطَ الْمُسَمَّى إنْ كَانْ وَيَرْجِعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ ثَمَّ حِينَئِذٍ، وَالْقِيَاسَ عَلَى الْوَكَالَةِ هُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ قَطْعِ الرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ (وَ) يَشْتَرِطُ (الْقَبُولُ) مِنْ الْوَدِيعِ (وَلَوْ بِالْقَبْضِ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ أَوْلَى لِبُعْدِهَا عَنْ مُشَابَهَةِ الْعُقُودِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا تَفْتَقِرُ الْوَدِيعَةُ إلَى عِلْمِ الْوَدِيعِ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا.

(فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ) الْمَالِكُ (لَهُ) بَلْ وَضَعَ مَالَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ أُودِعَكَ أَمْ لَا (أَوْ أَوْجَبَ) لَهُ حِينَ وَضَعَهُ بَيْن يَدَيْهِ (وَرَدَّ) هُوَ (ضَمِنَ بِالْقَبْضِ) إنْ قَبَضَ إلَّا إنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ فَقَبَضَهُ حِسْبَةً صَوْنًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُ (لَا بِالتَّضْيِيعِ) لَهُ بِأَنْ ذَهَبَ فَتَرَكَهُ فَلَا يَضْمَنُ (وَإِنْ أَثِمَ) بِهِ إنْ كَانَ ذَهَابُهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كَمَا يَعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَخَرَجَ بِرَدِّهِ مَا لَوْ قَبِلَ وَلَوْ بِقَوْلِهِ ضَعْهُ فَإِنَّهُ إيدَاعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَذَهَابُ الْوَدِيعِ) مَعَ تَرْكِهِ الْوَدِيعَةِ (وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ كَالرَّدِّ) لَهَا فَلَا ضَمَانَ.

(فَصْلٌ: وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالْعَبْدِ (ضَامِنٌ) لِوَدِيعَتِهِمْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مُوجِبِهَا إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ كَقَابِلِهَا فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْأَخْذِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِيدَاعِ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمْرِهِمْ (فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا) فِي يَدِهِمْ (فَأَخَذَهَا) مِنْهُمْ (حِسْبَةً) صَوْنًا لَهَا عَنْ الضَّيَاعِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ جَارِحَةٍ لِيَتَعَهَّدَهُ فَتَلِفَ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ) الَّتِي أَوْدَعَهَا مَالِكُهَا لِصَبِيِّ أَوْ عَبْدٍ (يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَرَقَبَةَ الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ) مِنْهُمَا لَهَا لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِمَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَا مَالَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ وَلَا تَسْلِيطٍ وَقِيلَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِمَّتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا بِالتَّقْصِيرِ) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا حِفْظُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ فَتَلِفَتْ (وَالسَّفِيهُ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (كَالصَّبِيِّ) فِيمَا ذَكَرَ.

(وَوَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ) فَيَكُونُ وَدِيعَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَالثَّانِي يُكْرَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ) مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصَلِّ فِي أَرْكَانُ الْإِيدَاعِ]

(قَوْلُهُ كَأَوْدَعْتُكَ) أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَالْكِتَابَةُ مِنْهُ وَمِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ وَلَوْ بِالْقَبْضِ) لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي هَذَا وَدِيعَةً فَدَفَعَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً فَالشَّرْطُ وُجُودُ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْبَغَوِيّ إلَخْ) هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَبُولُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ اللَّفْظَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي هَذَا لِأَحْفَظَهُ أَوْ أَوْدِعْنِيهِ كَيْ لَا يَضِيعَ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ ر غ.

[فَصْلٌ وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ ضَامِنٌ لِوَدِيعَتِهِمْ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمَرِهِمْ) أَوْ إتْلَافِ مَالِكِهَا إيَّاهَا بِلَا تَسْلِيطِ مِنْ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُمْكِنُ إحْبَاطُهُ وَتَضْمِينُهُ مَالَ نَفْسِهِ مُحَالٌ فَتُضْمَنُ الْبَرَاءَةُ. قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُقَالُ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّ تَسْلِيطَ الْمُمَيَّزِ غَيْرِ الْأَعْجَمِيِّ لَا أَثَرَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَدَارَ عَلَى إتْلَافِهِ مَالَ نَفْسِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودِعِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ سَبَقَ ضَمَانُ الْمُودِعِ بِوَضْعِ يَدِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ ضَمَانُهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِي حَالَةِ مُبَاشَرَةِ الْمَالِكِ الْعَارِيَّةَ عَنْ تَسْلِيطٍ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ تَسْلِيطِهِ فَضَعُفَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ ضَمَانِ الْيَدِ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا فَأَخَذَهَا إلَخْ) قَالَ الْغَزِّيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَعَدَّى بِأَخْذِهَا فَلَا يَأْخُذُهَا كَمَا لَا يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: لَا بِالتَّقْصِيرِ) وَإِنْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُهَا بِالتَّفْرِيطَ (قَوْلُهُ: وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ) لَوْ طَرَأَ سَفَهُ رَشِيدٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَهَلْ يُبْنَى إيدَاعُهُ وَالْإِيدَاعُ مِنْهُ عَلَى الْخِلَاف فِي تَصَرُّفَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>