للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النِّصَابِ (أَوْ) رَجَعَ (اثْنَانِ) مِنْهُمْ (حُدَّا) ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْحَقَا بِهِ الْعَارَ (دُونَ الْبَاقِينَ) لِتَمَامِ النِّصَابِ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ (وَكَذَا لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ حُدَّ وَحْدَهُ) سَوَاءٌ أَرَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ أَمْ قَبْلَهُ، وَلَوْ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ حُدُّوا؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ الْعَارَ سَوَاءٌ تَعَمَّدُوا أَمْ أَخْطَئُوا؛ لِأَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي تَرْكِ التَّثَبُّتِ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ لَهُ كَأَصْلِهِ فِي الشَّهَادَاتِ.

[كِتَابٌ السَّرِقَةُ]

[الْبَاب الْأَوَّلُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ]

(كِتَابٌ) (السَّرِقَةُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا السَّرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَرَقَ مِنْهُ مَالًا يَسْرِقُ سَرَقًا بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا قَالُوا سَرَقَهُ مَالًا وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْتِي. وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً وَشَرْعًا أَخْذُهُ خُفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ)

مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ (الْأَوَّلُ الْمَسْرُوقُ وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ النِّصَابُ) وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يُقَوَّمُ بِهِ (فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَهُوَ) أَيْ الدِّينَارُ الْمَضْرُوبُ وَوَصَفَ الدِّينَارَ بِقَوْلِهِ (خَالِصٌ) أَيْ فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ خَالِصٍ (أَوْ مَغْشُوشٍ خَالِصُهُ نِصَابٌ وَإِنْ كَانَ) الرُّبْعُ (لِجَمَاعَةٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَالدِّينَارُ الْمِثْقَالُ» وَقِيسَ بِالرُّبْعِ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ حَالَ السَّرِقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَمْ لَا فَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا يُسَاوِي رُبْعَ مِثْقَالٍ مِنْ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَسَبِيكَةٍ وَحُلِيٍّ وَلَا يَبْلُغُ رُبْعًا مَضْرُوبًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا قَطْعَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لَا سَبِيكَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى رُبْعِ (تَنْقُصُ قِيمَتُهُ) عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَإِنْ كَمُلَتْ وَزْنًا نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ فِيمَا هُوَ كَالْعَرْضِ، وَغَيْرُ السَّبِيكَةِ مِنْ حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ مِثْلُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَ) لَا (خَاتَمٍ يَنْقُصُ وَزْنًا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ) نَظَرًا إلَى الْوَزْنِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ الْقَطْعِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ هُوَ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي الذَّهَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْرُوبًا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَمَضْرُوبٌ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّبِيكَةِ فَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْوَزْنُ وَلَكِنْ قِيمَتُهُ تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ فَهَذَا يَضْعُفُ فِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْقِيمَةِ فَاسْتَقَامَ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ إلْبَاسٌ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ مَعًا (وَغَيْرُ ذَلِكَ) مِنْ الْعُرُوضِ وَالدَّرَاهِمِ (يُقَوَّمُ بِذَهَبٍ) أَيْ بِدَنَانِيرَ نَعَمْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَكَانَ السَّرِقَةِ دَنَانِيرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ تُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْوِيمُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي قَوْلِهِ تُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَوِّمُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَلْيَكُنْ التَّقْوِيمُ بِالدَّنَانِيرِ (تَقْوِيمَ قَطْعٍ) مِنْ الْمُقَوِّمِينَ (لَا) تَقْوِيمَ (اجْتِهَادٍ) مِنْهُمْ (لِلْحَدِّ) أَيْ لِأَجْلِهِ فَلَا بُدَّ لِأَجْلِهِ مِنْ الْقَطْعِ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَالُوا: نَظُنُّ أَنَّهُ يُسَاوِي رُبْعًا لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْغَزَالِيُّ مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ، وَ (يُرَاعَى) فِي الْقِيمَةِ (الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ) لِاخْتِلَافِهَا بِهِمَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْحِجَازِ أَوْ قِيمَةُ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَيُعْمَلُ) فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ (إنْ اخْتَلَفَتْ بَيِّنَتَانِ بِالْأَقَلِّ) مِنْ الْقِيمَتَانِ (لِلْقَطْعِ) بَلْ وَلِلْمَالِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهُ نِصَابٌ وَقَوَّمَهُ آخَرَانِ بِدُونِهِ فَلَا قَطْعَ وَيُؤْخَذُ فِي الْغُرْمِ بِالْأَقَلِّ (وَلَهُ الْحَلِفُ) فِيمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ (مَعَ شَاهِدِ الْأَكْثَرِ لِلْمَالِ وَيُقْطَعُ بِدِينَارٍ) أَيْ بِسَرِقَةِ دِينَارٍ (ظَنَّهُ فَلْسًا) لِأَنَّهُ قَصَدَ سَرِقَةَ عَيْنِهِ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ وَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كِتَابُ السَّرِقَةِ) (قَوْلُهُ بِفَتْحِ السِّينِ إلَخْ) وَيَتَعَدَّى بِالضَّمِيرِ وَاللَّامِ وَمِنْ كَالْهِبَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ) وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ صِيَانَةُ الْمَالِ عَنْ إتْلَافِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقْطَعْ فِي الْغَصْبِ لِظُهُورِهِ قَالَ الْمُلْحِدُ

يَدٌ بِخَمْسِ مُئِينَ عَسْجَدٍ ... وُدِيَتْ مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ

أَجَابَهُ السُّنِّيُّ صِيَانَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... خِيَانَةُ الْمَالِ فَانْظُرْ حِكْمَةَ الْبَارِي

(قَوْلُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ» إلَخْ) وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» (قَوْلُهُ لَا سَبِيكَةٍ) مِثْلُ السَّبِيكَةِ مَطْبُوعٌ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ الْمَطْبُوعِ الرَّائِجِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ) وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُقَوَّمُ بِذَهَبٍ) لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَأَحَدُهُمَا أَغْلَى ثَمَنًا قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ زَمَنَ السَّرِقَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهَلْ يُقَوَّمُ بِالْأَغْلَى دَرْءً لِلْقَطْعِ أَمْ بِالْأَرْدَأِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا أَوَّلُهُمَا كا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ خَالِصَانِ مِنْ الذَّهَبِ، وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ بِالْأَغْلَبِ مِنْ دَنَانِيرِ الْبَلَدِ فِي زَمَانِ السَّرِقَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِأَيِّهِمَا يُقَوَّمُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا بِالْأَدْنَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي بِالْأَعْلَى دَرْءً لِلْقَطْعِ بِالشُّبْهَةِ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَالتَّقْوِيمُ بِالذَّهَبِ حَيْثُ كَانَ هُوَ غَالِبَ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ دَرَاهِمَ فَيُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ بِالذَّهَبِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُرَاعَى الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ) أَيْ زَمَنُ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>