للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدُكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُطَاسَ سَبَبُهُ مَحْمُودٌ وَهُوَ خِفَّةُ الْجِسْمِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ، وَالتَّثَاؤُبُ بِضِدِّ ذَلِكَ (فَإِنْ غَلَبَ) هـ التَّثَاؤُبُ (سَتَرَ فَمَه) بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ» سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْغَلَبَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ.

(وَأَنْ يُلَبِّيَ الدَّاعِي) أَيْ الْمُنَادِي لَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ أَوْ لَبَّيْكَ فَقَطْ (وَ) أَنْ (يُرَحِّبَ بِالْقَادِمِ) عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ مَرْحَبًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَحْرِيمُ تَلْبِيَةِ الْكَافِرِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ وَيَبْعُدُ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيَةِ الْفَاسِقِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ أَيْضًا (وَ) أَنْ (يُخْبِرَ أَخَاهُ بِحُبِّهِ لَهُ فِي اللَّهِ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ حَفِظَك اللَّهُ أَوْ نَحْوَهُمَا لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ الْجَلِيلِ فِي عِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك أَوْ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي وَنَحْوِهِمَا، وَدَلَائِلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَيُكْرَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) نَادِبًا مَعَهُ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَصَالِحِ الْجِهَادِ وَلَا يَحْرُمُ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجِهَادِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْمُتَطَوِّعَةِ أَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُمْ مَرْصُودُونَ لِمُهِمَّاتٍ تَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ يَصْرِفُهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأُجَرَاءِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ مَا لَوْ كَانَ الذَّهَابُ لِلِاسْتِئْذَانِ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ أَوْ عَطَّلَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَجُنُودُهُ عَلَى الدُّنْيَا أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إنْ اُسْتُؤْذِنَ لَمْ يَأْذَنْ.

(وَإِنْ بَعَثَ سَرِيَّةً سُنَّ) لَهُ (أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا وَ) أَنْ (يُلْزِمَهُمْ طَاعَتَهُ وَيُوصِيَهُ بِهِمْ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ» .

(وَ) أَنْ (يُبَايِعَهُمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَ) أَنْ (يَخْرُجُوا صُبْحَ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ.

(وَ) أَنْ (يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ) وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ وَأَنْ يَعْقِدَ الرَّايَاتِ.

(وَيَجْعَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ رَايَةً وَشِعَارًا) حَتَّى لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَيَانًا.

(وَ) أَنْ (يُعَبِّيَهُمْ) بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الْعَيْنِ (لِلْقِتَالِ) بِأَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِتَعْبِيَةِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَهْيَبُ.

(وَ) أَنْ (يُحَرِّضَهُمْ) عَلَيْهِ وَعَلَى الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ.

(وَ) أَنْ (يَدْعُوَ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ) أَنْ (يَسْتَنْصِرَ بِالضُّعَفَاءِ) .

(وَ) أَنْ (يُكَبِّرَ بِلَا إسْرَافٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ) وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي سِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا) عَلَى الْكُفَّارِ بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ (إنْ) عَلِمْنَا أَنَّهُ (لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ) .

(وَجَازَ بَيَاتُهُمْ) أَيْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ» «وَسُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ هُمْ مِنْهُمْ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمْ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ.

(وَ) جَازَ (قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدِّيَ أَهْلُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةَ) وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُسْبَى نِسَاءُ غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَأَنْ تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا كَمَا سَيَأْتِي.

(وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ) عَلَيْهِمْ (بِعَبِيدٍ أُذِنَ لَهُمْ وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) كَذَلِكَ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِمَا وَفِيمَا قَالَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَقْفَةٌ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: سَتَرَ فَمَه بِيَدِهِ) أَيْ الْيُسْرَى وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْيُسْرَى لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ الْمُتَجَشِّي وَالْأَبْخَرُ فِي الْجَمَاعَةِ لِئَلَّا يُؤْذِي بِرِيحٍ فِيهِ

(قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ) (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: سُنَّ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَخْرُجُوا صُبْحَ يَوْمِ الْخَمِيسِ) وَلَا يَبْعَثُ السَّرَايَا إلَّا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا إلَخْ) فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ ضُمِنَ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ

(قَوْلُهُ: أَوْ يُؤَدِّي أَهْلُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةَ) مَحَلُّهُ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ

(قَوْلُهُ: وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) نَاقَشَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهِمْ مُرَاهِقِينَ بَلْ إذَا حَصَلَتْ مِنْ الْمُمَيِّزِ إعَانَةٌ وَرَأَى الْإِمَامُ اسْتِصْحَابَهُ جَازَ كَمَا يَقْتَضِيه نَصُّ الْأُمِّ وَكَوْنُهُمْ أَقْوِيَاءَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ بِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ جَوَازَ اسْتِصْحَابِ الْمُرَاهِقِينَ لِمَصْلَحَةِ سَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى كَمَا يُسْتَصْحَبُ النِّسَاءُ لِمِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَجَانِينِ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ مُسَلَّمٌ وَلَمْ يَتَوَارَدْ هُوَ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَالنَّوَوِيُّ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ لِلْقِتَالِ إذْ كَلَامُهُ فِيهِ وَقَرِينَةُ الْمَقَامِ مُخَصِّصَةٌ وَالْبُلْقِينِيُّ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي مُطْلَقِ الْمَنْفَعَةِ بِهِمْ فَنَاسَبَ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ الْمُرَاهَقَةُ وَالْقُدْرَةُ دُونَ الثَّانِي كا (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَخْ اسْتِثْنَاؤُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَرْدُودٌ إذْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ فِيهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>