للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِقُّ بِالْأَسْرِ (حَتَّى يَخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ وَحِينَئِذٍ لِلسَّابِي تَمَلُّكُهُ فَإِنْ تَمَلَّكْهُ عَتَقَ) عَلَيْهِ (أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْخُمُسُ) لِأَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ بِأَنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ أَوْ فِدَاءَهُ أَوْ الْمَنَّ عَلَيْهِ.

(وَإِنْ أَسَرَ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ رَقَّتْ) بِالْأَسْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ (فَإِنْ اخْتَارَ) السَّابِي (التَّمَلُّكَ فَكَمَا مَرَّ) فِي نَظِيرِهِ قَبْلَهَا (وَكَذَا ابْنُهُ) الْأَوْلَى وَلَدُهُ (الصَّغِيرُ) إنْ أَسَرَهُ رَقَّ بِالْأَسْرِ وَجَرَى فِيهِ مَا ذُكِرَ (إنْ كَانَ رَقِيقًا) لِحَرْبِيٍّ كَأَنْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ أَمَةً لِحَرْبِيٍّ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَ الْحَرْبِيِّ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي الثَّلَاثَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْ زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ لِتَصْوِيرِ سَبْيِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ (لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ) فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ سَبْيُهُ فَإِذَا كَانَ رَقِيقًا لِحَرْبِيٍّ تُصُوِّرَ مِنْهُ ذَلِكَ.

(وَإِنْ كَانَ الْغَانِمُونَ قَلِيلِينَ وَأَخَذُوا) أَيْ غَنِمُوا (مِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ) جَمِيعًا (لَمْ يَتَوَقَّفْ عِتْقُهُمْ) لَهُ (إلَّا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ) التَّمَلُّكَ.

[فَصْلٌ حُكْمِ عَقَارِ الْكُفَّارِ]

(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ عَقَارِ الْكُفَّارِ (وَيَمْلِكُ عَقَارَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَيْهِ مَعَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَالْمَنْقُولَاتِ وَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ وَخَرَجَ بِعَقَارِهِمْ مَوَاتُهُمْ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ إذْ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ.

(أَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا) لَا عَنْوَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ} [الفتح: ٢٢] الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: ٢٤] وَقَوْلُهُ {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح: ٢٠] إلَى قَوْلِهِ {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: ٢١] أَيْ بِالْقَهْرِ قَبْلَ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ، غَنَائِمُ حُنَيْنٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا غَنَائِمُ مَكَّةَ وَمَنْ قَالَ فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.

(فَبُيُوتُهَا مِلْكٌ لِأَهْلِهَا) لَا وَقْفَ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» يَعْنِي أَنَّهُ بَاعَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ.

(وَأَمَّا سَوَادُ الْعِرَاقِ) مِنْ الْبِلَادِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَزْيَدُ مِنْ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُمِّيَ سَوَادًا؛ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْبَادِيَةِ فَرَأَوْا خُضْرَةً الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةِ، وَالْخُضْرَةُ تُرَى مِنْ الْبُعْدِ سَوَادًا فَقَالُوا: مَا هَذَا السَّوَادُ وَلِأَنَّ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ مُتَقَارِبًا فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَفُتِحَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً؛ لِأَنَّهُ قَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَأَرْضَى عُمَرُ عَنْهُ الْغَانِمِينَ) بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ وَاسْتَرَدَّهُ (وَوَقَفَهُ) دُونَهُ بِنِيَّةِ دَوْرِهِ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْسَنْ قَطْعُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ (وَأَجَّرَهُ مِنْ أَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً) بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ (وَجُوِّزَتْ) كَذَلِكَ (

لِلْمَصْلَحَةِ

الْكُلِّيَّةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي أَمْوَالِنَا كَمَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِمَا.

(وَالْخَرَاجُ) الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ (أُجْرَةٌ) مُنَجَّمَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِنَا

(وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ) وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا (وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً) كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي إجَارَةِ عُمَرَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا مَرَّ.

(وَلَا يَجُوزُ) لِغَيْرِ سَاكِنِيهِ (إزْعَاجُهُمْ عَنْهُ) وَيَقُولُ أَنَا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مَعَ عُمَرَ وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ.

(وَأَمَّا دُورُهُمْ) أَيْ أَبْنِيَتُهَا (فَيَجُوزُ بَيْعُهَا) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ مُنْفَرِدًا وَأَسَرَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُ عَقَارَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ) إنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْعَقَارِ مَعَ شُمُولِ الْغَنِيمَةِ لَهُ لِلْإِشَارَةِ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ خَيَّرَ الْإِمَامَ بَيْنَ قِسْمَتِهِ وَتَرْكِهِ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَوَقَفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْقُولِ

(قَوْلُهُ: أَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ إلَّا فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ قِتَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي فَتْحِهَا لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: ٢٢] إلَخْ) وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَثْنَى أَشْخَاصًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الِائْتِمَانِ لِلْبَاقِي

(قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] فَنَسَبَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ كَمَا نَسَبَ الْأَمْوَالَ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الدِّيَارُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ لَمَا كَانُوا مَظْلُومِينَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ دُورٍ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥] جَمِيعُ الْحَرَمِ وَإِنَّ اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ وَلَا التَّغَوُّطُ وَلَا الْبَوْلُ وَلَا إلْقَاءُ الْجِيَفِ وَلَا النَّتِنِ وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كُرِهَ جُنُبٌ وَلَا حَائِضٌ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ وَحَوَانِيتِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ) قَالُوا يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَإِطَالَةُ الْجُلُوسِ عَلَى الْخَلَاءِ لِقَوْلِ لُقْمَانَ إنَّهُ يَحْدُثُ مِنْهُ الْبَاسُورُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْمَكْرُوهُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِدَلِيلِ كَرَاهَةِ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ مَكْرُوهٌ لَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ ع

(قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>