للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْأَمَانِ (بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ) وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ، فَإِنْ قَالَ فِي الْأُولَى عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَمَانَ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لَمْ يُبَلَّغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يَجُوزُ اغْتِيَالُهُ إذْ لَا أَمَانَ لَهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمُشِيرُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ) فَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ.

(فَرْعٌ) مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ صِيغَةِ الْأَمَانِ هُوَ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا بِلَا سَبَبٍ أَمَّا (مَنْ دَخَلَ) إلَيْهَا (رَسُولًا أَوْ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَنْقَادُ بِهِ لِلْحَقِّ إذَا ظَهَرَ لَهُ (فَهُوَ آمِنٌ) .

(لَا) مَنْ دَخَلَ (لِتِجَارَةٍ) فَلَيْسَ آمِنًا (فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهَا) أَيْ التِّجَارَةَ أَيْ الدُّخُولَ لَهَا (أَمَانٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ بَلَغَ الْمَأْمَنَ) وَلَا يُغْتَالُ وَكَذَا لَوْ سَمِعَ مُسْلِمًا يَقُولُ: مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ فَدَخَلَ وَقَالَ ظَنَنْت صِحَّتَهُ وَبِهِ صُوَرٌ لِأَصْلٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ (اُغْتِيلَ) وَكَذَا يُغْتَالُ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الدُّخُولَ لَهَا أَمَانٌ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لِظَنِّهِ (وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْآحَادِ جَعْلُهَا) أَيْ التِّجَارَةِ أَيْ الدُّخُولِ لَهَا (أَمَانًا) إنْ رَأَى فِي الدُّخُولِ لَهَا مَصْلَحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، فَإِذَا قَالَ مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ جَازَ وَاتُّبِعَ وَمِثْلُهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ.

(وَمُدَّتُهُ) أَيْ الْأَمَانِ (وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فَيَصِحُّ بِخِلَافٍ فِي الْهُدْنَةِ فَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ الْأَمَانُ كَالْهُدْنَةِ؛ لِأَنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْآحَادِ بِخِلَافِهَا (وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ) مِنْهَا (بَطَلَ الزَّائِدُ) عَلَيْهَا أَيْ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ (فَقَطْ) أَيْ لَا فِيمَا عَدَاهُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَأَمَّا الزَّائِدُ لِضَعْفِنَا الْمَنُوطِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَكَهُوَ وَفِي الْهُدْنَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ فِي الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِنَّ لِتَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَا يُؤَيِّدُهُ قَالَ: وَإِنَّمَا مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ السُّنَّةِ لِئَلَّا يُتْرَكَ الْجِهَادُ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ (وَبَلَغَ بَعْدَهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (الْمَأْمَنَ) .

(وَيَبْطُلُ أَمَانُ مُتَجَسِّسٍ وَطَلِيعَةٍ) إذْ مِنْ شَرْطِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ (وَ) مَعَ ذَلِكَ (يُغْتَالُ) كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ دُخُولَ مِثَالِهِ خِيَانَةٌ فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ الْأَمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ دُونَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَصْلَحَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ نَظَرًا.

(وَلِلْكُفَّارِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلِلْكَافِرِ (نَبْذُهُ) أَيْ الْأَمَانَ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِهِمْ (لَا لَنَا) وَإِنْ اسْتَشْعَرْنَا خِيَانَةً مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ مِنْ قِبَلِنَا.

(وَلِلْإِمَامِ نَبْذُهُ لِلْخِيَانَةِ) أَيْ لِاسْتِشْعَارِهِ الْخِيَانَةَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُهَادَنَةَ تُنْبَذُ بِذَلِكَ فَأَمَانُ الْآحَادِ أَوْلَى.

[فَصْلٌ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ]

(فَصْلٌ: تَجِبُ الْهِجْرَةُ) مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (عَلَى مُسْتَطِيعٍ) لَهَا (إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النحل: ٢٨] الْآيَةَ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْهَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي إقَامَتِهِ

مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ

فَيَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْهِجْرَةَ فَهُوَ مَعْذُورٌ إلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ، فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ سَقَطَ عَنْهُ الْهِجْرَةُ صُرِّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ لِكَوْنِهِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ أَوْ لِأَنَّ لَهُ عَشِيرَةً تَحْمِيه (وَلَمْ يَخَافُ فِتْنَةً فِيهِ اُسْتُحِبَّ) لَهُ أَنْ يُهَاجِرَ لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ أَوْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ أَوْ يَكِيدُوا لَهُ وَلَا يَجِبُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عُثْمَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَى مَكَّةَ» ؛ لِأَنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا فَيَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ (لَا إنْ رَجَا إسْلَامَ غَيْرِهِ) ثُمَّ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُهَاجِرَ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ.

ثُمَّ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاعْتِزَالِ وَالِامْتِنَاعِ) فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِيهِ (حَرُمَتْ) أَيْ الْهِجْرَةُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إسْلَامٍ فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ نَعَمْ إنْ رَجَا نُصْرَةَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ أَمَّنَهُ مُرْتَدٌّ وَجَهِلَ رِدَّتَهُ أَوْ قَالَ ظَنَنْت إسْلَامَهُ وَقَوْلُهُ وَكَذَا يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَلِسَمَاعِ الْقُرْآنِ أَوْ نَحْوِهِ) كَالْحَدِيثِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَلْ بِمُدَّةِ إمْكَانِ الْبَيَانِ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاسُ بِهِ الدُّخُولُ لِلتِّجَارَةِ وَلِلسِّفَارَةِ فَتَتَقَيَّدُ مُدَّتُهُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَكَلَامُهُمْ يَفْهَمُهُ

(قَوْلُهُ وَمُدَّتُهُ إنْ أَطْلَقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَلْحَقَ أَمَانَ الْآحَادِ لِلْآحَادِ بِأَمَانِ الْإِمَامِ فِي الْمُهَادَنَةِ أَلْحَقَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ عِنْدَ الْقُوَّةِ وَكَانَ قِيَاسُهُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ أَيْضًا لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ أَنَّ مُدَّتَهُ عِنْدَ الضَّعْفِ مَنُوطَةٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْآحَادِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ الزَّائِدُ فَقَطْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَمَانَ الْآحَادِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فَمَا دُونَهَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَإِنَّمَا الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَخَلَطَ أَمَانَ الْإِمَامِ بِأَمَانِ الْآحَادِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَمَانِ الْآحَادِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَقْدِيرُ مُدَّتِهِ وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إقْرَارُهُ أَقَرَّهُ عَلَى الْأَمَانِ وَقَرَّرَ لَهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدِ بِمُدَّةٍ فِي الرِّجَالِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَمَانَهُ عَلَى مَالِهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ وَجْهَانِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي الذُّرِّيَّةِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ

(قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ نَظَرًا) لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي أَمَانِ الْآحَادِ أَمَّا أَمَانُ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ نَصَّ عَلَيْهِ ع وَقَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ الرَّاجِحُ

(قَوْلُهُ: مِنْ دَارِ الْكُفْرِ) عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مِنْ بَلَدِ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ) أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ وَكَتَبَ أَيْضًا تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْهَا لِأَنَّ الْمُقَامَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ مُنْكَرٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَبْعَثُ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ) بَلْ تُرَجَّحُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ «إسْلَامَ الْعَبَّاسِ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَيَكْتُبُ بِأَخْبَارِ الْمُشْرِكِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَقَوَّى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَانَ يُحِبُّ الْهِجْرَةَ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مُقَامَك بِمَكَّةَ خَيْرٌ لَك»

<<  <  ج: ص:  >  >>