للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَفْتِيَ مَنْ عَرَفَ عِلْمَهُ وَعَدَالَتَهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ) لِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا (بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ) يَعْنِي عَنْ عِلْمِهِ بِسُؤَالِهِ النَّاسَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى ذَلِكَ وَانْتَصَبَ لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَنَاصِبِ الْعُلَمَاءِ بِمُجَرَّدِ انْتِسَابِهِ وَانْتِصَابِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْأَصْلِ خِلَافُهُ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ (فَلَوْ خَفِيَتْ) عَلَيْهِ (عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ اكْتَفَى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ تَعْسُرُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْقُضَاةِ، وَهَذَا كَمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ مَسْتُورَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَفْتِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ لَيْسَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ النَّاسِ (وَيَعْمَلُ) الْمُسْتَفْتِي (بِفَتْوَى عَالِمٍ مَعَ وُجُودِ أَعْلَمَ) مِنْهُ (جَهِلَهُ) بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ بِأَنْ اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ إذَا جَهِلَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ عِلْمٍ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُفْتِيَانِ جَوَابًا وَصِفَةً (وَلَا نَصَّ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَالتَّقْيِيدُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (قَدَّمَ الْأَعْلَمَ. وَكَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَحَدَهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ)

قَدَّمَ مَنْ اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ كَمَا يُقَدِّمُ أَرْجَحَ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقَ الرِّوَايَتَيْنِ (وَيُقَدِّمُ الْأَعْلَمَ عَلَى الْأَوْرَعِ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْفَتْوَى بِالْعِلْمِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْوَرَعِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ نَصٌّ قَدَّمَ مَنْ مَعَهُ النَّصُّ وَكَالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (وَلَوْ) حَالَ وَ (أُجِيبَ فِي وَاقِعَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ) أَيْ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا (ثُمَّ حَدَثَتْ) لَهُ ثَانِيًا (لَزِمَ إعَادَةُ السُّؤَالِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ اسْتِنَادَ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ) بِأَنْ عَلِمَ اسْتِنَادَهُ إلَى رَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَالْمُقَلَّدُ حَيٌّ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ رَأْيِ الْمُفْتِي فَإِنْ كَثُرَ وُقُوعُ الْوَاقِعَةِ أَوْ عَلِمَ اسْتِنَادَ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ أَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا لَمْ يَلْزَمْ إعَادَةُ السُّؤَالِ لِمَشَقَّةِ الْإِعَادَةِ فِي الْأُولَى وَنُدْرَةِ تَغَيُّرِ الرَّأْيِ فِي الثَّانِيَةِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّالِثَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ وَبِتَصْحِيحِ لُزُومِ إعَادَةِ السُّؤَالِ فِيمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي أَوَائِلِ مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ خَمْسَةِ أَوْرَاقٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْمُفْتِي عَلَيْهِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ (وَلَوْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ بِجَوَابِ الْمُفْتِي اُسْتُحِبَّ) لَهُ (سُؤَالُ غَيْرِهِ) لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ (وَلَا يَجِبُ) التَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيَكْفِي الْمُسْتَفْتِي) فِي اسْتِفْتَائِهِ (بَعْثُ رُقْعَةٍ) إلَى الْمُفْتِي لِيَكْتُبَ عَلَيْهَا (أَوْ) بَعْثِ (رَسُولٍ ثِقَةٍ) إلَيْهِ لِيَسْأَلَهُ فَيَكْفِيهِ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَعْرِفْ لُغَتَهُ وَلَهُ اعْتِمَادُ خَطِّ الْمُفْتِي إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ

(وَمِنْ الْأَدَبِ) لَهُ (أَنْ) لَا (يَسْأَلَ وَالْمُفْتِي قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْفِكْرِ) كَأَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِزًا أَوْ مُسْتَضْجِرًا (وَأَنْ لَا يَقُولَ لِجَوَابِهِ) أَيْ الْمُفْتِي (هَكَذَا قُلْت أَنَا) أَوْ كَذَا وَقَعَ لِي أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا وَأَنْ لَا يَقُولَ لَهُ إنْ كَانَ جَوَابُك مُوَافِقًا لِمَا كَتَبَ فُلَانٌ، وَهُوَ كَذَا فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبْ ذَكَرَهُ الْمَجْمُوعُ (وَ) أَنْ (لَا يُطَالِبَ) هـ (بِدَلِيلٍ) لِلْجَوَابِ (فَإِنْ أَرَادَهُ) أَيْ الدَّلِيلَ أَيْ مَعْرِفَتَهُ (فَبِوَقْتٍ آخَرَ) يُطَالِبُهُ بِهِ (وَلْيُبَيِّنْ) لَهُ فِي الرُّقْعَةِ إنْ طَلَبَ جَوَابَهُ فِيهَا (مَوْضِعَ السُّؤَالِ وَيَنْقُطْ الْمُشْتَبِهَ فِي الرُّقْعَةِ) لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَنْهُ وَالسُّؤَالُ فَلْيَكُنْ مُرَتِّبُهَا حَاذِقًا (وَيَتَأَمَّلْهَا) أَيْ وَمِنْ أَدَب الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَمَّلَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً (لَا سِيَّمَا آخِرَهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السُّؤَالِ، وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْجَمِيعُ بِكَلِمَةٍ فِي آخِرِهَا وَيَغْفُلُ عَنْهَا (وَيُثْبِتُ) فِي الْجَوَابِ، وَإِنْ وَضَحَتْ أَيْ الْمَسْأَلَةُ (وَلَا يَقْدَحُ الْإِسْرَاعُ) فِي الْجَوَابِ (مَعَ التَّحَقُّقِ) لَهُ بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِ التَّحَقُّقِ (وَ) أَنْ (يُشَاوِرَ فِيمَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ مَنْ حَضَرَ) مَجْلِسَهُ (مُتَأَهِّلًا) لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِرَجَاءِ ظُهُورِ وَمَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ.

(وَلَهُ أَنْ يَنْقُطَ مُشْكِلَ الرُّقْعَةِ) وَيُشَكِّلَهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ بِسُؤَالِهِ الْمُسْتَفْتِي (وَ) أَنْ (يُصْلِحَ لَحْنًا فَاحِشًا) وَجَدَهُ فِيهَا (وَلْيَشْغَلْ بَيَاضًا) وَجَدَهُ فِي بَعْضِ السُّطُورِ (بِخَطٍّ كَيْ لَا يَلْحَقَ) فِيهِ (شَيْءٌ) بَعْدَ جَوَابِهِ (وَيُبَيِّنُ خَطَّهُ بِقَلَمٍ بَيْنَ قَلَمَيْنِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلْيُبَيِّنْ خَطَّهُ وَلْيَكُنْ قَلَمُهُ بَيْنَ قَلَمَيْنِ أَيْ لَا دَقِيقٌ خَافٍ وَلَا غَلِيظٌ جَافٍ (وَلَا بَأْسَ بِكَتْبِهِ الدَّلِيلَ) مَعَ الْجَوَابِ إنْ كَانَ وَاضِحًا مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ الْأَصْلُ الدَّلِيلَ بِقَوْلِهِ مِنْ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ وَمِثْلُهُمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ وَلَا يُعْتَادُ ذِكْرُ الْقِيَاسِ وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ يُفْتِي فِيهَا غَيْرُهُ بِغَلَطٍ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ (لَا السُّؤَالَ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُسْتَفْتِي وَآدَابِ الْمُفْتِي]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ) فَإِنَّهُ قَدْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى ظَانًّا جَوَازَ إقْدَامِهِ وَاعْتِقَادُهُ فِي نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَظُنُّونَ بِهَا مَا لَيْسَ لَهَا، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مُسْتَقِرٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الرِّسَالَةِ وَلَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْعُلُومِ أَقْوَامٌ لَوْ سَكَتُوا عَنْهُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (فَائِدَةٌ)

طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ يُجِيزَهُ بِالْفَتْوَى فَوَعَدَهُ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَاسْتَنْجَزَ وَعَدَهُ فَقَالَ هِيَ شَهَادَةٌ عِنْدَ قَاضٍ هَذِهِ شَهَادَةٌ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى أُفَكِّرَ أَتَحَرَّى فَأَمْرُهَا عَظِيمٌ وَخَطَرُهَا جَسِيمٌ (قَوْلُهُ قُدِّمَ الْأَعْلَمُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) لَا لَيْسَ الصَّحِيحُ طَرْدَ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ قَدْ يَتَغَيَّرُ جَوَابُهُ

(قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا آخِرُهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِنَاءُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ آكَدُ فَإِنَّهُ الَّذِي يُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَعْتَنِي بِآخِرِ الْكَلَامِ لِيُتْبِعَ الْأَسْئِلَةَ بِجَوَابَاتِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْسُنُ إظْهَارُهُ) كَأَنْ يَقْبُحَ إظْهَارُهُ أَوْ يُرِيدَ صَاحِبُ الرُّقْعَةِ إخْفَاءَهُ أَوْ يَكُونَ فِي إشَاعَتِهِ مَفْسَدَةٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ إلَخْ) وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُفْتِي فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ إلَى أَنْ يُشَدِّدَ وَيُبَالِغَ فَيَقُولَ، وَهَذَا إجْمَاعٌ أَوْ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا أَوْ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَقَدْ خَالَفَ الْوَاجِبَ أَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّوَابِ أَوْ فَقَدْ أَثِمَ أَوْ فَسَقَ أَوْ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا وَلَا يُهْمِلَ الْأَمْرَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَيُوجِبُهُ الْحَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>