للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِي بَيِّنَةٌ وَسَأُحْضِرُهَا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا إيذَاءً وَتَعَنُّتًا (فَيَزْجُرُهُ) وَيَنْهَاهُ (ثُمَّ) إنْ عَادَ (يُهَدِّدُهُ ثُمَّ) إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ (يُعَزِّرُهُ) بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ تَوْبِيخٍ وَإِغْلَاظِ قَوْلٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَفْيٍ لِيَنْكَفَّ (فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَى الْقَاضِي) كَأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ تَجُورُ أَوْ تَمِيلُ أَوْ ظَالِمٌ (فَلَهُ تَعْزِيرٌ) لَهُ (وَعَفْوٌ) عَنْهُ (وَهُوَ أَوْلَى إنْ لَمْ يُسْتَضْعَفْ) أَيْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ضَعْفِهِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ أَوْلَى لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ (بِنَفْسِهِ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَرُبَّمَا خَافَ خَصْمُ مُعَامِلِهِ مِيلَهُ إلَيْهِ فَلَا يَرْفَعُهُ لَهُ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ مَعَ إبْعَاضِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَمَا قَالَهُ لَا يَأْتِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ (لَا تَوْكِيلَ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ) فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ وَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا عُرِفَ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ أَبْدَلَهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يُوَكِّلُهُ (عَقَدَ) بِنَفْسِهِ (لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ وَقَعَتْ لِمَنْ عَامَلَهُ خُصُومَةٌ أَنَابَ) نَدْبًا (غَيْرَهُ) فِي فَصْلِهَا خَوْفَ الْمَيْلِ إلَيْهِ (وَيُوَكِّلُ فِي نَحْوِ) أَمْرِ (ضَيَاعِهِ) مِنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَنَحْوِهَا كَمَا يُوَكِّلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ

(فَصْلٌ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الرِّشْوَةُ) أَيْ قَبُولُهَا، وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لَهُ لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْمَالَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ حَرَامٌ أَوْ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ تَوْقِيفُهُ عَلَى الْمَالِ إنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَلِمَنْ لَا رِزْقَ لَهُ) فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْقَضَاءِ وَكَانَ عَمَلُهُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ (أَنْ يَقُولَ) لِلْخَصْمَيْنِ (لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا إلَّا بِأُجْرَةٍ) أَوْ بِرِزْقٍ بِخِلَافِ الْمُتَعَيِّنِ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْسَعُ وَفِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَلَا تُهْمَةَ فِي أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَخْذِ مِنْ الْخُصُومِ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَتِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ وَجْهًا ضَعِيفًا انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ (وَيَأْثَمُ مَنْ أَرْشَى) الْقَاضِي لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (لَا) مَنْ أَرْشَاهُ (لِلْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ) حَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِدُونِهَا فَلَا يَأْثَمُ، وَإِنْ حَرُمَ الْقَبُولُ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ (وَالْمُتَوَسِّطُ) بَيْنَ الْمُرْتَشِي وَالرَّاشِي (كَمُوَكِّلِهِ) مِنْهُمَا فِيمَا ذُكِرَ (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ) عِنْدَهُ وَلَوْ عُهِدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِخَبَرِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِيَ «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَرُوِيَ «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَبَبُهُ خَلَلٌ وَقَعَ فِي

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ مُحَابَاةٍ فَلَوْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمُحَابَاةِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلنَّدْبِ وَكَذَا مَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُخَالِفْ النَّدْبَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمُحَابَاةِ (قَوْلُهُ أَنَابَ غَيْرَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِخْلَافِ

[فَصَلِّ الْقَاضِي تحرم عَلَيْهِ الرشوة]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ تَحْرُمُ الرِّشْوَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ الْمَالُ إنْ بُذِلَ لِغَرَضٍ آجِلٍ فَصَدَقَةٌ أَوْ عَاجِلٍ، وَهُوَ مَالٌ فَهِبَةٌ بِشَرْطِ الثَّوَابِ أَوْ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ وَاجِبٍ مُتَعَيِّنٍ فَرِشْوَةٌ أَوْ مُبَاحٍ فَإِجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ تَوَدُّدٍ مُجَرَّدٍ أَوْ تَوَسُّلٍ بِجَاهِهِ إلَى أَغْرَاضِهِ فَهَدِيَّةٌ إنْ كَانَ جَاهُهُ بِالْعِلْمِ أَوْ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْعَمَلِ فَرِشْوَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ: وَمِمَّا يَنْقَدِحُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالُ اسْتِعَارَةِ الْقَاضِي مِنْ رَعِيَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيَظْهَرُ الْمَنْعُ فِي الْمَنَافِعِ الْمُقَابِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا وَدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقَابَلُ غَالِبًا وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِبَذْلِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ كَاسْتِعَارَةِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَرَدَّدَ السُّبْكِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيمَا لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ تَدْرِيسٍ مَدْرَسَتَهُ لِلْقَاضِي وَكَانَ لِلتَّدْرِيسِ مَعْلُومٌ فَقَالَ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَلَبَ الْقَاضِي التَّدْرِيسَ مِنْ غَيْرِ مَعْلُومٍ أُجِيبَ إلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ وَيَأْخُذَ الْمَعْلُومَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا قَالَ وَهَذَا فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ مَنْعٌ قَالَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَشَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ فَهُوَ كَالْهَدِيَّةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَبْرَأهُ مِنْهُ قَالَ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ قَالَ بَلْ يَصِحُّ وَعَلَى الْقَاضِي الِاجْتِهَادُ فِي عَدَمِ الْمَيْلِ قُلْت وَلَوْ وَفَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَطْعًا فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا قُلْته بَحْثًا ع وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنِهِ جَازَ وَقَوْلُهُ جَازَ قَطْعًا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَكَذَا قَوْلُهُ جَازَ وَكَتَبَ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ لِمَحْجُورِهِ كَالْهَدِيَّةِ لَهُ (قَوْلُهُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) يَلْتَحِقُ بِمَنْ لَهُ خُصُومَةٌ مَا إذَا كَانَ أَحَسَّ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ تَأْتِي فَتَحْرُمُ أَيْضًا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لِيَشْمَلَ ذَلِكَ غ ر (تَنْبِيهٌ)

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُلَخِّصًا لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْهَدِيَّةُ مِنْ الرَّعَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ كَانَتْ لِطَلَبٍ آجِلٍ أَوْ عَاجِلٍ هُوَ مَالٌ أَوْ مَوَدَّةٌ فَجَائِزٌ وَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ شَفَاعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّفَاعَةُ فِي مَحْظُورٍ لِطَلَبِ مَحْظُورٍ أَوْ إسْقَاطِ حَقٍّ أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَقَبُولُهَا حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ شَرْطَ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُهْدِي هَذِهِ الْهَدِيَّةُ جَزَاءُ شَفَاعَتِك فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الشَّافِعُ وَأَمْسَكَ الْمُهْدِي عَنْ ذِكْرِ الْجَزَاءِ فَإِنْ كَانَ مُهْدِيًا لَهُ قَبْلَ الشَّفَاعَةِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْقَبُولُ وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ الْقَبُولُ إنْ لَمْ يُكَافِئْهُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَافَأَهُ لَمْ يُكْرَهْ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>