للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشُهُودٍ فَبَانُوا مَرْدُودِينَ) فِي شَهَادَتِهِمْ لِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ) أَيْ حُكْمَهُ (يُنْقَضُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ (فَتَعُودُ الْمُطَلَّقَةُ) بِشَهَادَتِهِمْ (زَوْجَةً وَالْمُعْتَقَةُ) بِهَا (أَمَةً فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ) بِهَا (قَطْعٌ أَوْ قَتْلٌ) أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي) الضَّمَانُ (وَلَوْ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) لِتَفْرِيطٍ بِتَرْكِ الْبَحْثِ التَّامِّ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهُ الْمُدَّعِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ أَمْ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَقُولُ اسْتَوْفَيْت حَقِّي (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (مَالًا) وَلَوْ (تَالِفًا ضَمِنَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ) وَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِتْلَافِ بِالْقِصَاصِ حَيْثُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ إنَّمَا يُضْمَنُ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَحُكْمُ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَأَمَّا الْمَالُ فَإِذَا حَصَلَ بِيَدِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ مَضْمُونًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ (فَلَوْ كَانَ) الْمَحْكُومُ لَهُ (مُعْسِرًا) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ غَائِبًا (غَرِمَ الْقَاضِي) لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بَدَلَ نَفْسٍ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا (وَرَجَعَ بِهِ) عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ (إذَا أَيْسَرَ) أَوْ حَضَرَ (وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ) لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ زَاعِمُونَ صِدْقَهُمْ بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ وَلَا عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلشُّهُودِ

[كِتَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَات وَفِيهِ أَبْوَابٌ]

[الْبَاب الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى]

(كِتَابُ الدَّعَاوَى)

بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا (وَالْبَيِّنَاتِ) الدَّعْوَى لُغَةً الطَّلَبُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: ٥٧] وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ لِلْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشُّهُودِ سُمُّوا بِهَا لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضُعِّفَ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ وَجَانِبَ الْمُنْكِرِ قَوِيَ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ (وَفِيهِ أَبْوَابٌ) سَبْعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى وَفِيهِ مَسَائِلُ) سَبْعَةٌ (الْأُولَى فِي مُوجِبِ الرَّفْعِ) إلَى الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَ) الْحَقُّ (عُقُوبَةً كَقِصَاصٍ وَ) حَدِّ (قَذْفٍ اُشْتُرِطَ الرَّفْعُ) فِيهَا (إلَى الْقَاضِي) فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَعْمَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَاخِرِ قَوَاعِدِهِ لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَقَدَّمْتُ هَذَا أَيْضًا فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.

(وَكَذَا مَنْ لَهُ عَيْنٌ) عِنْدَ غَيْرِهِ (وَخَشِيَ بِأَخْذِهَا) اسْتِقْلَالًا (فِتْنَةً) يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلَاصِ بِهِ بِغَيْرِ إثَارَةِ فِتْنَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَهَا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا (أَوْ) كَانَ لَهُ (دَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ) مِنْ أَدَائِهِ (طَالَبَهُ) بِهِ لِيُؤَدِّيَهُ وَلَيْسَ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشُهُودٍ فَبَانُوا مَرْدُودِينَ]

كِتَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قِيلَ إنَّ أَوَّلَ دَعْوَى وَقَعَتْ فِي الْأَرْضِ دَعْوَى قَابِيلِ عَلَى هَابِيلِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِنِكَاحِ تَوْأَمَتِهِ فَتَنَازَعَا إلَى آدَمَ فَأَمَرَهُمَا بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة: ٢٧] فَقَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلًا فِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ اُشْتُرِطَ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي) الْقَاضِي مَثَلٌ فَالْمُحَكِّمُ كَذَلِكَ وَالْمَنْصُوبُ لِلْمَظَالِمِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْوَزِيرُ وَالْمُحْتَسِبُ وَنَحْوُهُمْ إذَا تَضَمَّنَتْ وِلَايَاتُهُمْ ذَلِكَ وَالسَّيِّدُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى رَقِيقِهِ وَفُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ لَكِنْ يَقَعُ فِي الْقِصَاصِ الْمَوْقِعَ فَتُحْمَلُ عِبَارَتُهُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إذَا قُتِلَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ قُذِفَ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَلَا يُحْتَاجُ لِدَعْوَى الْحِسْبَةِ بَلْ فِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ ثَانِيهُمَا قُتِلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ دَعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبٍ (قَوْلُهُ نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ الْقِصَاصِ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ لَهُ عَيْنٌ عِنْدَ غَيْرِهِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ حَبْسُهَا عَنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي ذِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ أَمِينٍ بَاذِلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا عِلْمِهِ وَلَا دُخُولَ مَنْزِلِهِ لِأَجْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بَلْ سَبِيلُهُ الطَّلَبُ وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ مَقْبُوضًا وَالْبَائِعُ بَاذِلٌ لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَالْإِرْغَابِ بِظَنِّ الذِّهَابِ أَلَا تَرَاهُمْ بَوَّبُوا بَابَ أَخْذِ الْحَقِّ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَيْنُ جِلْدِ الْمَيِّتَةِ وَالسِّرْقِينِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ مِمَّا يَثْبُتُ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ إذَا غُصِبَ وَلَا بَيِّنَةً لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا إلَّا لِلْمَالِ. اث وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ فِتْنَةَ) أَوْ ضَرَرًا (قَوْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي) اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَخْذُ عَيْنِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَإِنْ خَافَ فِتْنَةً لَا يَنْتَهِي الْحَالُ فِيهَا إلَى ارْتِكَابِ مَفْسَدَةِ مُقْتَضِيَةٍ لِلتَّحْرِيمِ وَتَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعُ الْأَخْذِ بِمُجَرَّدِ الْخَوْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ جَازَ وَالْفِتْنَةُ امْتَنَعَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَاحْتِمَالَانِ وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ تَغْلِيبًا لِلْمَحْذُورِ وَنَظِيرُهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِحَجِّ الْفَرْضِ، وَتَعَيُّنُ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرَّفْعَ إلَى مَنْ لَهُ إلْزَامُ الْحُقُوقِ وَالْإِجْبَارِ وَعَلَيْهَا مِنْ أَمِيرٍ وَوَزِيرٍ وَمُحْتَسِبٍ وَلَا سِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا عِنْدَهُمْ ر (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَهَا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَيْ عَيْنًا غُصِبَتْ مِنْهُ وَكَذَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ لَهُ الثَّمَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>