للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عُلِمَ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَقِيلَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ فِي غَيْرِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلرُّؤْيَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَالَ الْإِمَامُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْمَطَالِعِ عَلَى مَا مَرَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِ رَمَضَانَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ

(فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ) فِي الْمَطَالِعِ (لَمْ يَجِبْ) عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا صَوْمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ (وَلَوْ صَامَ بِالرُّؤْيَةِ وَسَافَرَ) مِنْ بَلَدِهَا (إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ) لِمَطْلَعِهِ وَلَمْ يَرَ أَهْلُهُ الْهِلَالَ (وَافَقَهُمْ) وُجُوبًا (يَوْمَ عِيدِهِ فِي الصَّوْمِ) لِأَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ صَارَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيدٌ صَامَهُ أَوْ عِيدٌ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ إلَى بَلَدِهَا (عَيَّدَ مَعَهُمْ) لِمَا مَرَّ وَقَضَى يَوْمًا إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي (وَكَذَا لَوْ عَيَّدَ فِي بَلَدٍ وَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ (فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَمْسَكَ) بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لِمَا مَرَّ (أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ كَانَ صَائِمًا فَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُفْطِرِينَ (أَفْطَرَ) لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى يَوْمًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ كَذَلِكَ

(فَرْعٌ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ (لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) لَا الْمَاضِيَةِ (فَلَا يَفْطُرُ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي رَمَضَانَ (وَلَا يُمْسِكُ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي شَعْبَانَ فَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بِخَانِقِينَ إنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَخَانِقِينَ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ بَلْدَةٌ بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ مَا قِيلَ إنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهَا لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفْطِرْ وَلَا يُمْسِكْ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(فَصْلٌ وَيَجِبُ) فِي الصَّوْمِ (نِيَّةٌ جَازِمَةٌ مُعَيِّنَةٌ) كَالصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمُعَيِّنَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الصَّوْمَ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ النَّاوِي يُعَيِّنُهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ التَّعَلُّقِ بِمُطْلَقِ الصَّوْمِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجِبُ (قَبْلَ الْفَجْرِ فِي الْفَرْضِ) وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا لِخَبَرِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ بِقَرِيبَةِ خَبَرِ عَائِشَةَ الْآتِي (لِكُلِّ يَوْمٍ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ مَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاتَيْنِ يَتَخَلَّلُهُمَا السَّلَامُ وَخَرَجَ بِمُعَيِّنَةٍ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ فَرْضِهِ أَوْ عَنْ فَرْضِ وَقْتِهِ فَلَا يَكْفِي كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْآتِي مَا خَرَجَ بِجَازِمَةٍ (وَإِلَّا كَمَّلَ) فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ (أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ أَضْدَادِهَا لَكِنَّ فَرْضَ غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْأَدَاءِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّنَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَفْظُ الْغَدِ اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ

(وَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ السَّنَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السَّنَةِ وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ مَعْلُومٌ فَالتَّعَرُّضُ لِلْغَدِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُهُ وَالتَّعَرُّضُ لِلسَّنَةِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ قَالَ وَيُوَضِّحُهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

الْفَرْضُ بِالنَّفْلِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالْفَرْضِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَّجَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ لَمْ يَجِبْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ الْمُرَادُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا لَوْ بَانَ بِالْآخِرَةِ اتِّفَاقُ الْمَطَالِعِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا أَيْ لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] أَيْ بَعْدَ دُلُوكِهَا

[فَصْلٌ النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ]

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ نِيَّةٌ جَازِمَةٌ) إذَا تَيَقَّنَ مَثَلًا أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ يَوْمٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي صَوْمًا وَاجِبًا يُجْزِئُهُ وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدِ النِّيَّةِ فِيهِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ حِكَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ اُغْتُفِرَ لَهُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِرَمَضَانَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا لِلضَّرُورَةِ هُنَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ عَمَّا وَجَبَ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيَّ (قَوْلُهُ مُعَيَّنَةٌ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا) لَيْسَ عَلَى أَصْلِهَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ سِوَاهُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّهُ كَمَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا اهـ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِرَدَّتِهِ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَحُكْمُ مَنْ نَفِسَتْ بَعْدَمَا نَوَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ جُنَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَعْيِينُ الْغَدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْكَمَالِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>