للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَرْفَعُ) نَدْبًا الرَّجُلُ (صَوْتَهُ) بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ (بِحَيْثُ لَا يُتْعِبُهُ) الرَّفْعُ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ نَحْرُ الْبُدْنِ أَمَّا رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحْرِمِ (وَالْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (تُسْمِعُ نَفْسَهَا) فَقَطْ نَدْبًا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ جَهَرَتْ) بِهَا (كُرِهَ) وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهَا حَيْثُ حُرِّمَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ (وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَقْلِيلًا، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ - الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: ٢٧] مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا أَوْ أَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ (فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ (ثُمَّ يُصَلِّيَ) وَيُسَلِّمُ نَدْبًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تَلْبِيَتِهِ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي (بِصَوْتٍ أَخْفَضَ) مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهَا قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَيُصَلِّي عَلَى آلِهِ أَيْضًا كَمَا فِي التَّشَهُّدِ (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَسْأَلُ رِضْوَانَ اللَّهِ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُهُ) تَعَالَى (مِنْ النَّارِ) نَدْبًا كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ (وَيَدْعُو) بَعْدَ ذَلِكَ نَدْبًا (بِمَا أَحَبَّ) دِينًا وَدُنْيَا قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَسُولِك وَآمَنُوا بِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِكَ وَوَفَّوْا بِعَهْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِكَ الَّذِينَ رَضِيتَ وَارْتَضَيْتَ وَقَبِلْتَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ.

، (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّلْبِيَةِ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (إلَّا بِرَدِّ السَّلَامِ) فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ) فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَطْعُهَا (وَإِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ) نَدْبًا « (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ» وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيَّةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ إذَا رَأَى مَا يُهِمُّهُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي أَسَرِّ أَحْوَالِهِ وَفِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فَالْأَوَّلُ فِي وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، وَالثَّانِي فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ (وَيُتَرْجَمُ) بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (الْعَاجِزُ) عَنْهُ لَا الْقَادِرُ كَمَا فِي تَسْبِيحِ الصَّلَاةِ.

(بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ) -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إلَخْ) اسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ الرَّفْعِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إذَا حَصَلَ بِهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوِهِمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَهَرَتْ بِهَا كُرِهَ) هَذَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأَجَانِبِ فَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءِ فَتَجْهَرُ بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا تَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ذَكَرَهُ هُنَاكَ النَّوَوِيُّ.

(قَوْلُهُ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَدَعْوَاهُ ثُبُوتَهُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ هُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَةِ» ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ.

[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

(بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا) ، وَقَدْ «دَخَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ» كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا نَعْلَمُ دُخُولَهَا لَيْلًا فِي غَيْرِهَا وَفِي مُسْلِمٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ لَفْظُهُ «كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا» وَكَتَبَ أَيْضًا مَكَّةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِهِ الْمَدِينَةَ، دَلِيلُنَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْ أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» وَمَحَلُّ التَّفَاضُلِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هُوَ فَأَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ قَالَ شَيْخِي وَوَالِدِي وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَعْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْمَدِينَةِ قَطْعًا مَا عَدَا مَوْضِعَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ وَبَيْتَ خَدِيجَةَ الَّذِي بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مَوْضِعٍ مِنْهَا بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ الْمُخْتَارِ اسْتِحْبَابُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَقَوْلُهُ، وَأَمَّا هُوَ فَأَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ شَيْخُنَا وَأَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَمِنْ الْجَنَّةِ فَإِنْ قِيلَ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُنْقَلُ مِنْ أَفْضَلَ لِمَفْضُولٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهَا لَخُلِقَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ «إنَّ صَدْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا شُقَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ» فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهُ لَغُسِلَ بِذَلِكَ الْأَفْضَلِ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَإِنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً زَالَ الْإِشْكَالُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَيْنِيَّةِ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ قَبْرِي أَيْ وَمِنْ آخِرِهِ وَمِنْبَرِي حَتَّى يَكُونَ الْقَبْرُ دَاخِلًا فِي الرَّوْضَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>