للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ دُخُولُ الْحَمَّامُ لِلْغُسْلِ فِيهِ]

(فَصْلٌ) (الْحَمَّامُ) أَيْ دُخُولُهُ لِلْغُسْلِ فِيهِ (مُبَاحٌ وَ) لَكِنْ (يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ بِلَا عُذْرٍ) لِخَبَرِ «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّسَتُّرِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى الْحَاجَةِ

(وَآدَابُهُ) أَيْ دَاخِلُ الْحَمَّامِ (قَصْدُ التَّنْظِيفِ) وَالتَّطْهِيرِ الدَّاخِلِ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى (لَا التَّرَفُّهُ) وَالتَّنَعُّمُ (وَتَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ أَوَّلًا) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَالتَّسْمِيَةُ لِلدُّخُولِ ثُمَّ التَّعَوُّذُ) كَانَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيُقَدِّمُ فِي دُخُولِهِ يَسَارَهُ وَفِي خُرُوجِهِ يَمِينَهُ كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ (وَيَذْكُرُ) بِحَرِّهِ (النَّارَ وَالْجَنَّةَ) وَاقْتَصَرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذِكْرِ النَّارِ فَقَالَ: وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بِهَا (وَرُجُوعُهُ) أَيْ آدَابُهُ مَا ذَكَرَ وَرُجُوعُهُ (عَنْ عُرْيَانَ) فِيهِ فَإِذَا رَأَى فِيهِ عُرْيَانَا لَا يَدْخُلُهُ بَلْ يَرْجِعُ (وَتَرْكُ الْمَاءِ الْحَارِّ إلَى أَنْ يَعْرَقَ وَالصَّمْتُ) عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ: وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَأَنْ يَدْخُلَ وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبْدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَهُوَ مُذَكِّرٌ لِلْفِكْرِ فِي الْعَوْرَاتِ ثُمَّ لَا يَخْلُو النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا الْبَصَرُ (وَإِذَا خَرَجَ) مِنْهُ (اسْتَغْفَرَ) اللَّهَ تَعَالَى (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ: يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إذَا فَرَغَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ (وَكُرِهَ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ) وَدُخُولُهُ لِلصَّائِمِ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ (وَ) كُرِهَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ (صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ وَشُرْبُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ) مِنْهُ فِيهِمَا (لَا دَلْكُ غَيْرِهِ لِمُبَاحٍ) عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ إلَّا عَوْرَةً أَوْ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: عَافَاك اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَخَذَهُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا إبَاحَةَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِلنِّسَاءِ وَكَرَاهَتَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْجِزْيَةِ

[كِتَابُ التَّيَمُّمِ وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب]

[الْبَاب الْأَوَّل فِيمَا يُبِيح التَّيَمُّم]

(كِتَابُ التَّيَمُّمِ) هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ يُقَالُ: تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْته وَتَأَمَّمْته وَأَمَّمْته أَيْ قَصَدْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] وَشَرْعًا إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَخُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَقِيلَ: عَزِيمَةٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] إلَى قَوْلِهِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا وَقِيلَ تُرَابًا حَلَالًا وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَخْبَارِ الْآتِي بَعْضُهَا (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يُبِيحُهُ) وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِتَعَذُّرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ لِخَوْفِ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ وَأَسْبَابُ الْعَجْزِ سَبْعَةٌ هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ جَعَلَ الْمُبِيحَ السَّبْعَةَ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ فَقَالَ (وَهُوَ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ فَقْدُ الْمَاءِ فَإِنْ تَيَقَّنَ فَقْدَهُ) حَوْلَهُ (فَلَا طَلَبَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ (وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ) طَلَبُ (مَأْذُونِهِ) كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَلَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِهَا بِالْمَاءِ وَلَا قَبْلَ الْوَقْتِ (لَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَأْذُونِهِ فَلَا يَكْفِي طَلَبُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ أَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْدُ نَعَمْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْإِذْنِ فِي الطَّلَبِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ انْتَهَى.

وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِيَطْلُبَ لَهُ فِيهِ أَوْ يُطْلَقُ لَا لِيَطْلُبَ لَهُ قَبْلَهُ.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: الْحَمَّامُ مُبَاحٌ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ الْغُسْلُ بِدُونِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَعُّمِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى الْحَاجَةِ) وَصَوْنُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَمَسِّهِ، وَغَضُّ بَصَرِهِ عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ وَنَهْيُهُ عَنْ كَشْفِهَا وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَفْظًا وَعُرْفًا

(كِتَابُ التَّيَمُّمِ) (قَوْلُهُ: وَهُوَ رُخْصَةٌ) وَقِيلَ: عَزِيمَةٌ وَيَصِحُّ بِتُرَابِ الْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ وَالتُّرَابُ الْمَغْصُوبُ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَنَزَلَ فَرْضُهُ سُنَّةٌ أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ خَمْسٌ الصَّحِيحُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعَةٌ) قَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

يَا سَائِلِي أَسْبَابَ حِلِّ تَيَمُّمِ ... هِيَ سَبْعَةٌ لِسَمَاعِهَا تَرْتَاحُ

فَقْدٌ وَخَوْفٌ حَاجَةٌ إضْلَالُهُ ... مَرَضٌ يَشُقُّ جَبِيرَةً وَجِرَاحُ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَ طَلَبُهُ فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَطْلُبُ الْمَاءَ لِطَهَارَتِهَا فَلَوْ طَلَبَهُ لِفَائِتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّلَبِ دَخَلَ الْوَقْتُ فَتَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الطَّلَبِ جَازَ، ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَبُ لِلتَّطَوُّعِ قَالَ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّلَبُ لِمَا يَجِبُ الطَّلَبُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ الطَّلَبِ اهـ وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ لِضَرُورَةِ عَطَشِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ: قَدْ يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْقَافِلَةُ عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا إلَّا بِالْمُبَادَرَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الطَّلَبُ فِي أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ لِابْنِ الْأُسْتَاذِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ طَلَبَ مَعَ الشَّكِّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرَدُّدُ الْمُسْتَوِي أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ طَلَبَ صَحَّ قَطْعًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ طَلَبَ مَأْذُونَهُ) شَرْطُ الِاكْتِفَاءِ بِطَلَبِ مَأْذُونِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولَ الْخَبَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْفِيَ اعْتِقَادُهُ صِدْقَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولَ الرِّوَايَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ت (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ) قُلْت اتِّجَاهُهُ ظَاهِرٌ ت

<<  <  ج: ص:  >  >>