للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدِي فِيهَا التَّخْرِيجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَظَرَهُ بِالْهُدْنَةِ (فَلَوْ اسْتَعَارَ لِيَرْهَنَ عِنْدَ وَاحِدٍ فَرَهَنَ عِنْدَ اثْنَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَجُزْ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخَرِ فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ (وَلَوْ قَالَ أَعِرْنِي) كَذَا (لِأَرْهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ عِنْدَ فُلَانٍ فَكَتَقْيِيدِ الْمُعِيرِ) تَنْزِيلًا لِلْإِسْعَافِ عَلَى الِالْتِمَاسِ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ الْمَالِكُ (ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك فِي رَقَبَةِ عَبْدِي مِنْ غَيْرِ قَبُولِ غَرِيمِهِ) ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ لَهُ (كَفَى) ، وَكَانَ كَالْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ.

(فَرْعٌ: وَإِنْ قَضَى الْمُعِيرُ الدَّيْنَ) بِمَالِهِ (انْفَكَّ الرَّهْنُ، وَرَجَعَ) بِهِ (عَلَى الرَّاهِنِ إنْ سَلَمَ) أَيْ قَضَى (بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت الرَّهْنُ بِالْإِذْنِ كَالضَّمَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ، وَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا قُلْت مُسَلَّمٌ إنْ قَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا قَضَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا فَلَا، وَحَاصِلُهُ قَصْرُ الرُّجُوعِ فِيهِمَا عَلَى مَحَلِّ الضَّمَانِ، وَهُوَ هُنَا رَقَبَةُ الْمَرْهُونِ، وَثَمَّ ذِمَّةُ الضَّامِنِ (فَإِنْ أَنْكَرَ) الرَّاهِنُ (الْإِذْنَ فَشَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ) لِلْمُعِيرِ (قُبِلَ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَرَجَعَ عَلَيْهِ) بِمَا بِيعَ بِهِ (إنْ بِيعَ أَوْ) رَهَنَهُ (بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) بِشَيْءٍ، وَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ كَنَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ فِيهِمَا، وَالتَّصْرِيحُ بِالْأَوْلَى مِنْ زِيَادَتِهِ.

(الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَرْهُونُ بِهِ، وَلَهُ شُرُوطٌ) ثَلَاثَةٌ بَلْ أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ كَوْنُهُ دَيْنًا فَلَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالْأَعْيَانِ) مَضْمُونَةً كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً (كَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَبِيعِ) ، وَالْمُودَعِ، وَالْمَوْقُوفِ، وَمَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَعْيَانِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ الشَّرْطِ (الثَّانِي كَوْنُهُ ثَابِتًا فَلَا يَصِحُّ) بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ (بِثَمَنِ مَا سَيَشْتَرِيهِ أَوْ) بِمَا (يَقْتَرِضُهُ) لِأَنَّهُ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا تَقَدُّمَ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ فَلَوْ ارْتَهَنَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَقَبَضَهُ كَانَ مَأْخُوذًا عَلَى جِهَةِ سَوْمِ الرَّهْنِ فَإِذَا اسْتَقْرَضَ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَصِرْ رَهْنًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (وَيَصِحُّ مَزْجُ الرَّهْنِ) بِسَبَبِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَمَزْجِهِ (بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ طَرَفَيْ الرَّهْنِ) يَعْنِي تَأَخُّرَ أَحَدِهِمَا عَنْ طَرَفَيْ الْآخَرِ، وَالْآخَرِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَيَقُولُ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا أَوْ أَقْرَضْتُك كَذَا، وَارْتَهَنْت بِهِ عَبْدَك فَيَقُولُ الْآخَرُ ابْتَعْت أَوْ اقْتَرَضْت، وَرَهَنْت لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ فِيهِمَا جَائِزٌ فَمَزْجُهُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّوَثُّقَ فِيهِ آكَدُ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَفِي بِالشَّرْطِ، وَاغْتُفِرَ تَقَدُّمُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِحَاجَةِ التَّوَثُّقِ قَالَ الْقَاضِي فِي صُورَةِ الْبَيْعِ، وَيُقَدَّرُ وُجُوبُ الثَّمَنِ، وَانْعِقَادُ الرَّهْنِ عَقِبَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ الْمِلْكَ لَهُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ الْعِتْقِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ جَوَازِ الْمَزْجِ هُنَا، وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ الْبَيْعِ كَأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَبِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَبِلْت الْكِتَابَةَ، وَالْبَيْعَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ مَصَالِحِ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَلِهَذَا جَازَ شَرْطُهُ فِيهِمَا مَعَ امْتِنَاعِ شَرْطٍ عُقِدَ فِي عَقْدٍ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ مِنْ مَصَالِحِ الْكِتَابَةِ، وَبِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِيرُ أَهْلًا لِمُعَامَلَةِ سَيِّدِهِ حَتَّى تَتِمَّ الْكِتَابَةُ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ تَأَخُّرَ طَرَفَيْ الرَّهْنِ عَمَّا ذَكَرَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِيَتَحَقَّقَ سَبَبُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فَلَوْ انْتَفَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَعَلَى مَا قَرَّرْته هُنَا فِي قَوْلِهِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ الطَّرَفَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامِي فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَأَخُّرُ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الرَّهْنِ عَنْ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْآخَرِ.

(وَلَوْ قَالَ بِعْتُك أَوْ زَوَّجْتُك أَوْ أَجَرْتُك بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا فَقَالَ) الْآخَرُ (اشْتَرَيْت أَوْ تَزَوَّجْت أَوْ تَاجَرْتُ) يَعْنِي اسْتَأْجَرْت (وَرَهَنْت صَحَّ) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ بَعْدَهُ ارْتَهَنْت أَوْ قَبِلْت (لِتَضَمُّنِ هَذَا الشَّرْطُ الِاسْتِيجَابَ) ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَقُولَ الْأَوَّلُ ذَلِكَ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ كَوْنُهُ لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنِ كِتَابَةٍ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلتَّوَثُّقِ، وَالْمُكَاتَبُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ النَّجْمِ مَتَى شَاءَ فَلَا مَعْنَى لِتَوْثِيقِهِ (وَلَا) بِدَيْنِ (جِعَالَةٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَكَذَا) بَعْدَهُ (قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ لِعَاقِدَيْهَا فَسْخَهَا فَيَسْقُطُ بِهِ الْجُعْلُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ إنْ قَضَى الْمُعِيرُ الدَّيْنَ بِمَالِهِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ]

قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ) كَالْأَصِيلِ فِي دَعْوَى الضَّامِنِ الْإِذْنَ فِي الضَّمَانِ

(قَوْلُهُ وَالْمَوْقُوفُ) لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا وَقَفَ كِتَابًا أَوْ غَيْرَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِلُزُومِ هَذَا الشَّرْطِ وَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَوْنُهُ رَهْنًا بِالْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ ثَانِيهَا كَوْنُ الرَّاهِنِ أَحَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا ثَالِثُهَا إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ فَالْوَجْهُ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ لَا يُتَّبَعُ. اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ) فَيَدُومُ حَبْسُهُ لَا إلَى غَايَةٍ وَفَارَقَ صِحَّةَ ضَمَانِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِأَنَّ الضَّامِنَ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهَا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ) عَبَّرَ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ غَيْرُ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدِيعَةِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا قَطْعًا

(قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ) وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ

(قَوْلُهُ الثَّالِثُ كَوْنُهُ لَازِمًا) هَذِهِ الشُّرُوطُ تَنْطَبِقُ عَلَى أَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ أَوْ غَرَامَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُ حَقًّا ثَابِتًا فَقِيسَ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا قَبْلَ الْفَرَاغِ) فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ صَحَّ قَطْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>